احتدم السجال الإعلامي في صيدا بين المجلس البلدي وبلدية الظلّ التي باتت تصدر بيانات شبه يومية. ويبدو أن هذا السجال مرشح للاستمرار، وخصوصاً مع نجاح الأخيرة في تسجيل عدد من النقاط لمصلحتها في مراقبتها لأداء البلدية، إضافةً إلى الانقسام السياسي الحادّ الذي تعيشه عاصمة الجنوب
صيدا ــ خالد الغربي
قبل أسبوع وعد رئيس بلدية صيدا محمد السعودي في اتصال أجرته معه «الأخبار»، بمعالجة مشكلة مجرور ميناء صيدا، وتحويل مجرور آخر يصبّ في البحر قرب استراحة المدينة، إلى محطة الضخ ومنها إلى محطة التكرير في محلة سينيق، وقال إن العمل سينتهي قبل نهاية شهر رمضان. انتظر الصيداويّون تحقيق هذا الوعد، ليفاجأوا قبل يومين بعودة مياه المجرور إلى مجاريها في محلة القملة قرب جامع الزعتري، لتصبّ مجدّداً في البحر بعدما كانت البلدية قد أقفلته قبل أسابيع.
عودة مجرور القملة إلى ضخّ مياهه في البحر، بسبب سوء عمل المضخّات والمنشآت التي أنجزت قبل أكثر من عقد، أتاح الفرصة لتسجيل نقطة لمصلحة بلدية الظل في اللقاء الوطني الديموقراطي، وإن كان المجلس البلدي قد تراجع «بطريقة ذكية» عن البشرى السارة التي كان قد زفّها إلى الصيداويين، إذ أشار في بيان له إلى «أنه تقرّر الاتصال بمجلس الإنماء والإعمار من أجل الإسراع بتلزيم عقد تشغيل وصيانة الطلمبات في محطة الضخ، الكائنة قبالة مدخل مرفأ صيدا، التي تتآكل تجهيزاتها من الصدأ وهي بحالة شبة معطلة، لتأمين ضخ مياه الصرف الصحي من الشبكة الجديدة للمجاري إلى محطة الضخ الرئيسية في سينيق، التي تحتاج بدورها إلى إعادة صيانة وتركيب قطع جديدة، إذ إنّ العمل فيها أُنجز منذ عام 2004 ولم تشغّل لغاية تاريخه».
التقط اللقاء الديموقراطي فرصة «الاعتراف الضمني للمجلس»، فتحدّث بيان له عن «تناقض بلدي» قائلاً «في الوقت الذي يقول فيه رئيس البلدية إنه قد جرى تحويل مصبّات المجارير إلى الخط الرئيسي لدفع مياهها عبر محطة التجميع قرب المرفأ نحو محطة سينيق، يأتي بيان المجلس البلدي ليفضح زيف هذا الكلام، حين يكشف أن طلمبات الضخ في سينيق لم تعمل بعد، وطلمبات محطة المرفأ شبه معطلة (...) كما أن المجلس تجاهل هو أيضاً شكاوى المواطنين من فيضان المياه الآسنة من محطة التجميع قرب المرفأ».
تلزيم عقد تشغيل وصيانة وتجهيز محطة الضخ المتآكلة يستدعي منطقياً وقتاً ليس بالقصير لإنجازه، ستستمر خلاله بعض المجارير في رمي مياهها في البحر، وستمعن في تشويه الشاطئ وتلويث مياه البحر. وإن كانت البلدية لا تتحمل مسؤولية «صدأ» وعدم صلاحيات الطلمبات ومحطات الضخ فإنّ البعض رأى أن «المال السائب وغياب الرقابة الحكومية على المشاريع المنفّذة، أكانت بمساعدات أو هبات، أو كانت مموّلة من الدولة، يشجّعان الملتزمين على الإيفاء بتعهداتهم كيفما اتفق». ويحمّل اللقاء الوطني الديموقراطي المسؤولية لمن «وضع هذا التخطيط الكارثي، أي المجلس البلدي الأسبق ومجلس الإنماء والإعمار، وهما مؤسستان نفّذتا الأوامر الصادرة عن مكاتب مؤسسة الحريري».
إلى المجاري الصحية، مثّل مكبّ النفايات، ووضع النفايات في المدينة، عنواناً آخر من عناوين الاشتباك الإعلامي المفتوح. من يومياته أنّ اللقاء يصدر ما يشبه «أمر اليوم» عن وضع المكب والنفايات، معزّزاً بياناته بصور عن «الكارثة البيئية»، وعن النفايات في الأحياء والشوارع. وبحسب اللقاء «فإن التضخم المتسارع في جبل النفايات وتفريخه جبلاً آخر يجريان بفضل ردميات شركة جنيكو، وكذلك إهمال الحكومات المتعاقبة منذ عقدين. لكن أساس الكارثة يعود إلى التخطيط الذي جعل من شاطئ صيدا، الذي لا يزيد على ستة كيلومترات، مكاناً لتجميع المجارير والنفايات لمنطقة واسعة جداً في قضاءي صيدا وجزين، يقيم فيها ما يقرب من 700 ألف نسمة» كما أوضح الديموقراطيون.
«المكب كارثة تزداد يوماً بعد يوم» يقول غاضباً أحد جيران المكب، محمد ياسين، ويضيف «بعيداً عن الخلافات السياسية الدائرة في المدينة، فإنّ ما يقلقنا أن القسم المستحدث من جبل الزبالة تضخّم في الآونة الاخيرة تضخّماً مروّعاً وخطيراً، والجمعيات البيئية غائبة ومغيّبة عن هذا التضخم، ولا نعرف سبب هذا التقصير». وفي هذا الإطار يلفت أحد ساكني منطقة عبرا، الحاج أحمد البزري، إلى تكدّس النفايات في شوارع عبرا الجديدة بين وقت وآخر، مشيراً إلى أن «إقفال مكبّ النفايات في صيدا في وجه نفايات عبرا لا يعود إلى حرص البلدية على عدم تضخم المكب، حيث إنّ نقلتين لن تزيدا ولن تنقصا أمام عملاق اسمه جبل الزبالة، لكن الأمر متعلق بالخلافات بشأن اتحاد بلديات صيدا الزهراني، وبلدية صيدا تحاول أن تضغط وتحرّض في هذا الاتجاه».

عادت المجارير لتصبّ في البحر بسبب غياب الصيانة

بلدية الظل لم تبكّر في انتقاداتها وقد لا تكتفي بالبيانات


كلّ هذه الأمور تتيح الاستنتاج أنّ الاشتباك المفتوح ستتوسع دائرته مع الوقت، وهذا ما أكدّه بكلام آخر أمين سر اللقاء الوطني الديموقراطي النقابي عصمت القواص، الذي قال لـ«الأخبار» «إنّ هذه المعركة الديموقراطية ما زالت في بدايتها، وسنستمر في كشف مواطن الخلل وفضح الارتكابات، ولن يمنعنا من أداء هذا الدور الوطني أيّ ترهيب كائناً من كان مصدره»، مشيراً إلى أن التيار الوطني في المدينة «ناضل تاريخياً من أجل التنمية الحقيقة، وانحاز تاريخياً إلى قضايا المواطنين ومطالبهم، ومن يدّعِ أننا نستغل أزمات اجتماعية وبيئية فعليه مراجعة التاريخ، وسيكتشف سريعاً أننا لسنا من يستغل هموم الناس لأننا في قلب هذه الهموم كنا سابقاً وسنبقى كذلك». ورداً على سؤال عن توقيت السجال مع بلدية لم يتجاوز عمرها الأشهر القليلة، ينفي القواص أن يكون الوقت لا يزال مبكراً «نحن نواجه سياسات إنمائية وبيئية تفرضها جهة سياسية منذ أكثر من عقدين، وقد ثبت عدم تحقيقها للتنمية الحقيقية التي تحتاج إليها المدينة». ولكي يعزّز القوّاص نفيه لممارسة الانتقادات المبكرة وعرقلة العمل البلدي، يعرض عددين مؤرّخين في شهر حزيران من عام 2004 في الزميلة «المستقبل» وفيهما انتقادات حادة للمجلس البلدي (السابق) الذي كان قد مرّ على تسلّمه مهمّاته أقل من أسبوعين، «مارسوا افتراءات مبكرة، أما نحن، فنمارس قول الحقائق». آخرون في اللقاء الوطني الديموقراطي تحدثوا عن صيغ جديدة من المواجهة مع البلدية «إذ لن نكتفي فقط بإصدار البيانات، ولن نعدم أية وسيلة ديموقراطية في خلافنا مع بلدية صيدا».
بين «العتمة والعيش في الظلام» التي يتّهم بها السعودي بلدية الظل، و«أضواء السلطة التي بهرت بصر السعودي فلم يعد يرى المشكلات منذ أن ألبسه آل الحريري عباءتهم» كما يردّ اللقاء، يبدو أن السجال لا يزال في أوّله.