صادق مجلس النواب اللبناني على اتفاقية حظر القنابل العنقودية في 17 آب الماضي، أي بعد مرور 16 يوماً على دخولها حيز التنفيذ. إنها الاتفاقية الأكثر تقدماً على صعيد حظر الأسلحة الفتّاكة ضد المدنيين، والتي كان لحرب تموز 2006 دور أساسي في جعلها جزءاً من القانون الدولي. وجهات نظر متباعدة عن جدوى مصادقة لبنان على الاتفاقية وأعباء ذلك في أوقات السلم و... الحرب
بسّام القنطار
لم تتغير تحفظات حزب الله على جدوى انضمام لبنان إلى اتفاقية حظر القنابل العنقودية، التي لم توقّعها حتى إسرائيل. لكن ثمة ما يوحي بأن الحزب الذي لا يعول أصلاً على اتفاقيات الأمم المتحدة ومؤسسساتها، لم يكن ليسمح بأن يكون لبنان عضواً في اتفاقية العنقودية لو كانت تمثّل عائقاً حقيقياً في حرب ما مقبلة مع إسرائيل.

الجدال الذي شهده مجلس النواب خلال جلسة المصادقة على الاتفاقية، كان عابراً بالمقارنة مع النقاش المتعلق بإقرار الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في الجلسة عينها، والذي خطف الأضواء.
نواب حزب الله امتنعوا عن التصويت لمصلحة القانون، فيما أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري أن هذا الاتفاق «يفيد لبنان، وخصوصاً أنه عانى من القنابل العنقودية». في المقابل تساءل النائب وليد سكرية عضو كتلة الوفاء للمقاومة «ماذا لو شنت إسرائيل عدواناً؟ فالاتفاق موقّع من الدول غير المهددة بالحروب، أما الدول المستعدة للقيام بعدوان فلم توقعه»، واقترح تجميد توقيع هذ الاتفاق حتى تحديد تسليح الجيش ووضع استراتيجية دفاعية. لكن موقف حزب الله الرسمي جاء على لسان رئيس الكتلة محمد رعد: «القنابل العنقودية تصبح محرّمة عندما نوقّع هذه الاتفاقية. والذي يخرج عن حرمة الاستعمال هو العدو الإسرائيلي. نحن في المقاومة لا نستطيع أن نعطي أي إشارة طمأنينة إلى العدو، و(لذا) نحن نمتنع عن التصويت».
يستدل من هذا الموقف، أن حزب الله لا يزال «غير معني بالدخول في قواعد القانون الدولي الإنساني والإعلان أنه سيتخلى عن استهداف المدنيين في أية ظروف» حسب تعبير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في تقاريره التي تلت حرب تموز 2006. لا بل إن الأمم المتحدة أوصت في تقرير صدر عنها في حينه «بأنه على حزب الله أن يدرب مقاتليه على مستلزمات القانون الدولي الإنساني، وإعلام مقاتليه باحتمال المقاضاة الجنائية بسبب خرق هذا القانون، واتخاذ كل الإجراءات الضرورية لضمان مطاوعة القانون في المستقبل».
لكن إن كان هذا هو وضع لبنان، فهل يمكن القول إن لبنان الرسمي وَقَع في فخ المصادقة على اتفاقية العنقودية؟ المدقق في تقرير منظمة «هيومن رايتس ووتش» الذي صدر في آب 2007، واستعرض «انتهاكات حزب الله لقواعد حقوق الإنسان في حرب تموز 2006»، وفي نص اتفاقية حظر العنقودية، يسارع لإثبات صحة هذا التساؤل. فالاتفاقية تتحدث عن انتهاكات الدول الأعضاء لبنودها والتي لا تلزم الدول غير الموقعة عليها، إلا من الناحية.. الأخلاقية!
في التقرير المشار إليه ذكرت «هيومن رايتس واتش» أنها حصلت على معلومات مصدرها الزيارات الميدانية إلى البلدات في إسرائيل التي أصابتها صواريخ حزب الله، ومن التحقيق في أدلة الشظايا التي جُمعت في تلك الأماكن، ومقابلات شهود عيان من المدنيين، ومع أطباء إسرائيليين عالجوا المصابين، ومن السلطات الإسرائيلية. وصلت المنظمة إلى استنتاج مفاده أن «الأسلحة التي استخدمها حزب الله تنقصها الدقة الكافية في حال إصابتها مناطق مكتظة بالسكان». ويضيف التقرير «إن كثيراً من الصواريخ التي أصابت مناطق ساحلية مكتظة بالسكان، مثل مدينة حيفا وسلسلة ضواحيها إلى الشمال والشرق المعروفة باسم هكريوت، كانت صواريخ 220 مم مشحونة بآلاف الكرات المعدنية عيار 6 مم (ويطلق عليها أحياناً الصواريخ حاملة الكرات)، والتي تنتشر على مساحة واسعة لدى الارتطام وبقوة هائلة. وهذه الكرات أسلحة فتاكة ضد الأشخاص، بينما هي غير قادرة على إلحاق الأضرار بالقطع العسكرية». ويتابع التقرير: «كما أطلق حزب الله عدداً غير معروف من الصواريخ التي تحمل ذخائر عنقودية، محملة بالمتفجرات الصغيرة، والتي تطلق لدى الارتطام كرات معدنية عيار 3 مم على نطاق واسع». إذاً في أي حرب مقبلة تشنها إسرائيل على لبنان، ستكون ملايين القنابل العنقودية التي سترميها إسرائيل عشوائياً بمعزل عن الملاحقة القانونية، فيما يتوقع أن تقوم المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، بإحصاء أكثر دقة للصواريخ التي سيطلقها حزب الله والتي تحمل كرات معدنية، ويُوثّق ذلك كانتهاك خطير من لبنان للاتفاقية الدولية لحظر القنابل العنقودية.
وبالإضافة إلى المخاطر المتمثلة بإدانة حزب الله لاحتمال استخدامه أسلحة مصنفة بأنها تحمل قنابل عنقودية، يتضمن سريان الاتفاقية مجموعة من الإجراءات المتوجبة على السلطات اللبنانية، ومن بينها التخلص من جميع القنابل العنقودية غير المنفجرة في الأراضي اللبنانية في مهلة أقصاها عام 2016، كما أن السلطات اللبنانية معنية بتقديم أدلة بيّنة على أنها لا تنتج ولا تخزن ولا تستخدم أي نوع من القنابل العنقودية وأنها ستتعهد بتفجير هذه القنابل في حال وجودها ضمن مخزونها العسكري، أو لدى أي جهة غير حكومية ضمن الأراضي اللبنانية، في مهلة أقصاها عام 2014. وحتى اليوم، وقعت 108 دول على الاتفاقية، وصادقت عليها 39 دولة، وإلى حين أن تنجز وزارة الخارجية الإجراءات الروتينية المتعلقة بإرسال أوراق التصديق إلى سكريتاريا الاتفاقية، يكون لبنان الدولة الـ40 التي تصادق على الاتفاقية، التي أصبحت ملزمة بدءاً من الأول من آب 2010.

لبنان الدولة الـ40 التي تصادق على الاتفاقية، التي أصبحت ملزمة بدءاً من الأول من آب
حبوبة عون، مسؤولة وحدة الوقاية من مخاطر الألغام والقنابل العنقودية في جامعة البلمند، ترى أن مصادقة لبنان على الاتفاقية هو انتصار كبير، لأن لبنان بات ملزماً بموجب المصادقة بمساعدة ضحايا القنابل العنقودية وتأهيلهم. وأضافت أن المطلوب تفعيل القوانين اللبنانية، وخصوصاً قانون المعوقين وسن تشريعات إضافية، كي لا تكون الاتفاقية حبراً على ورق، إضافة إلى الضغط من أجل مصادقة لبنان على الاتفاقية الدولية لحقوق المعوقين، التي تعتبر مكملة لاتفاقية العنقودية في الباب المتعلق بمساعدة الضحايا.
بدوره يعترف رئيس جمعية الرؤية، د. ناصر أبو لطيف، بأن اتفاقية العنقودية وضعت لبنان أمام أعباء كبيرة، لكن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً، ففي السابق تم تطهير بعض المناطق الملوّثة بالعنقودية من خلال المساعدات الدولية، وعلى لبنان اليوم أن يقول إنه لن يستطيع تنفيذ التزامه بالاتفاقية بدون الحصول على المزيد من هذه المساعدات. في المقابل يتحفظ أبو لطيف على موضوع معارضة حزب الله للاتفاقية، مشيراً إلى أن امتناعهم عن التصويت هو موقف مبدئي، منطلق من وجهة نظرهم للأمم المتحدة، وعدم فعالية قراراتها واتفاقياتها. لكن حزب الله بحسب أبو لطيف «ما كان ليقبل أن تمر هذه الاتفاقية لو شعر بأنها تهدد مباشرة عمل المقاومة»، لافتاً الى أن الجمعيات الأهلية المقربة من حزب الله هي شريكة في اللجان الوطنية المعنية بالتوعية من مخاطر الألغام والقنابل العنقودية وبتأهيل الضحايا، وهي تقوم بدور رائد في هذا المجال.


لبنان حاضر في لاوس

مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية أكد لـ«الأخبار» أن لبنان سيكون حاضراً في الاجتماع الأول للدول الموقعة على الاتفاقية في لاوس، وسيطالب الدول الأعضاء بمزيد من العمل لمساعدة البلد الذي كان الحافز الأهم لولادة هذه الاتفاقية. وأكد المصدر أن وزير الخارجية علي الشامي (الصورة) أبلغ العديد من سفارات الدول المعنية وممثلي الأمم المتحدة، الذين وعدوا بأن لبنان سيستفيد من دخوله الاتفاقية، بأن عليهم ترجمة هذه الوعود الى تعهدات واضحة، وخصوصاً لجهة تطهير الأراضي ومساعدة الضحايا. ولقد فتح دخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، الباب أمام انعقاد المؤتمر الأول للدول الأعضاء في نهاية هذا العام في فينتيان Vientiane عاصمة لاوس في تشرين الثاني المقبل، ومن المتوقع أن تعلن الدول الأطراف خلال هذا المؤتمر خططها لتنفيذ الاتفاقية.
يستبعد المصدر الدبلوماسي أن يواجه لبنان صعوبة في إثبات أنه لا يستخدم القنابل العنقودية ولا يخزنها، فالمعلومات التي قدمتها وزارة الدفاع واضحة في هذا المجال، أما لجهة تطهير الأماكن المتضررة فمن المتوقع أن يطلب لبنان مهلاً إضافية وهذا أمر تجيزه الاتفاقية.