صنعاء ــ سعاد سالم السبع*كانت مع صديقتها واقفةً تنتظر من يساعدها على الالتحاق بكلية التجارة في جامعة صنعاء، وحين رأتني أتحدث مع عميد الكلية لجأت إليّ لأساعدها في التسجيل، ذكّرتها بأن التسجيل لا يحتاج إلى وساطة، فأخبرتني أن نسبتها فوق التسعين لكن لديها مشكلة، فهي «طالبة في كلية الطب، لكني محتاجة لأن أوقف قيدي في الطب هذا العام وأسجل هنا». ذكّرتها بأن القانون لا يسمح بالتسجيل في كليتين، فقالت: «لا أريد أن يعرفوا أنني مسجلة في كلية الطب، أريد أن أسجل من جديد»، فابتسمتُ وقلت لها: «الدراسة الجامعية علنية وليست سرية، وسيعرفون أنك مسجلة في كلية الطب، فيفصلونك من الكليتين، فضلاً عن أن هذا الذي تفكرين به غير قانوني، لماذا تريدين أن تكذبي وأنت طالبة مجتهدة؟».
قبل أن أنهي سؤالي اغرورقت عيناها بالدموع، وروت لي حكايتها. «لن يسمحوا لي بالدراسة في كلية الطب لأن عليّ تسديد بقية الرسوم. إنه مبلغ يفوق 1500 دولار لم أستطع دفعه، ولم أستطع إقناع إدارة الجامعة بتأجيل الرسوم أو خفضها، ولا أدري ماذا أفعل؟ فكرت في الانتساب لكلية التجارة حتى أعمل في أي

أمثال هذه الطالبة كثر في جامعتنا وعلينا مساعدتهم

وظيفة لتوفير مصاريف الطب. ربما حين يأتي العام المقبل أكون قد استطعت توفير ما هو مطلوب مني، فأعود للطب». قلت لها: «لماذا لا تعملين من دون أن تلتحقي بكلية التجارة ما دمت قد أوقفت قيدك في كلية الطب؟»، فأجابت: «هذه مشكلة أخرى، فأهلي لن يسمحوا لي بمغادرة البيت إلا إلى الجامعة، لذلك طلبوا مني أن أحوّل إلى التجارة حتى تخف المصاريف، لكنني أنوي استغلال خروجي من البيت للعمل والدراسة معاً»، قلت لكنك ستكذبين على الأسرة، وهذه الكذبة الثانية التي تنوينَ ارتكابها (...).
هذه حكاية طالبة متفوقة في كلية الطب تدفعها الظروف المادية لأن تبدأ حياة مبنية على الكذب. (...) وأمثال هذه الطالبة كثر في جامعتنا. قد تكون إدارة الجامعة على حق في التشديد على تحصيل الرسوم الدراسية، وفي تصعيب الحصول على الإعفاءات والخفوضات والتأجيلات، وبخاصة في ظل ازدياد عمليات التزوير والوساطات الكاذبة، لكن هناك من الطلاب من هم فعلاً غير قادرين على الاستمرار في الجامعة بسبب العجز المادي، ومن واجب الجامعة أن تساعدهم بأية طريقة ليكملوا دراستهم وهم معتزون بأنفسهم، وبخاصة إذا لم يكونوا متعثرين دراسياً، بل كانوا ممن تشهد مستوياتهم بأنهم طلبة جادون، لم يأتوا للجامعة إلا للدراسة.
أرى أن حل مشكلات هؤلاء الطلاب والطالبات تبدأ بتأليف لجنة لهذا الغرض، مهمتها إجراء دراسة حالة سريعة، ويا حبذا لو تألّفت اللجنة من بعض عضوات هيئة التدريس لأنهن الأحرص على تقديم تقارير حقيقية عن كل حالة في وقت سريع بدون انتظار المكافأة.
رئيس الجامعة ونوابه آباء قبل أن يكونوا مسؤولين، وعندي ثقة بأنهم لن يترددوا في إعانة الطلبة المستحقين.
* نائب رئيس مركز أبحاث النوع الاجتماعي والتنمية في جامعة صنعاء