تُعلن القوى الأمنية تنظيم «يوم أمني»، فينتشر عناصرها. تُقمَع المخالفات وتُدهَم «الأوكار» لتوقيف مطلوبين. يتوخّى مواطنون والمطلوبون الحذر، يختبئون أو يلتزمون بالقانون. هم يعلمون أنه لا بد من نهاية لهذا اليوم. ينتهي يوم ليبدأ آخر، فتُرتكب مخالفات بالجملة. تتراخى القبضة الأمنية: إنه يومٌ غير أمني
رضوان مرتضى
الشرطة تملأ الشوارع. هنا رجلٌ يسارع إلى وضع حزام الأمان. هناك سائق درّاجة يتوقّف ليعتمر الخوذة. جميع المواطنين يحترمون القانون، وليس هناك ما يُعكّر صفو الأمن. وسائل الإعلام تبثّ بياناً لشعبة العلاقات العامة في قوى الأمن يزفّ خبر توقيف عصابة ما. الشرطة القضائية تُعلن القبض على 40 أو 50 مطلوباً بجرائم مختلفة. تجد عناصر قوى الأمن متأهّبين. لقد استُنهضت جميع الوحدات، فهذا اليوم قد أُعلن أمنيّاً.
المشهد لا يبدو هكذا كل يوم. فالأيام الأمنية معدودة، وتطبيق القانون يبدو أنه ليس واجباً يومياً يُفترض أن يقوم به رجل الأمن في كل لحظة. الأمن في لبنان صار موسميّاً، أيّامه كالأعياد، تُنشر فيها الحواجز على الطرقات لقمع المخالفات. خلال اليوم الأمني أيضاً، يؤدي شرطي السير واجبه فيقف وسط سيارات المارّة. يحمل دفتر محاضر الضبط باحثاً عن سائق مخالف لم يضع حزام الأمان أو لم يضع خوذة الدرّاجة، فيُنظّم المحاضر بالجملة. تقف لتُحصي السيّارات المخالفة المضبوطة فتجدها كثيرة. أمّا حال الدراجات المحتجزة بسبب المخالفة، فلا تختلف كثيراً، إذ إن أعداداً كبيرة منها تملأ رافعات قوى الأمن. لا ينسحب هذا المشهد على ما عداه من الأيام. ففي لبنان لا يُطبّق القانون يومياً. اليوم الذي لا أمن فيه، قد يسمح فيه شرطي السير لسائق الدرّاجة المخالف بأن يمرّ، إذ اصطُلح على أن هذا اليوم عادي وليس أمنياً، ومعظم السائقين يعلمون بالأمر، لذلك لا يضعون أحزمة الأمان. التراخي الحاصل أصبح مادة لتندّر المواطنين الذين يستظرفون عَقد المسؤولين للمؤتمرات الصحافية ليُخبروهم بأنهم سينظمون حملات لقمع مخالفات السيّارات أو لتوقيف المطلوبين. يتساءل هؤلاء المواطنون عن سبب عَقد هذه المؤتمرات، فقمع المخالفات أمر «تحصيل حاصل» يجب أن يدخل ضمن واجبات عمل الأمنيين. وفي هذا السياق، تردّ أوساط في وزارة الداخلية على ما يُتداول، رافعة المسؤولية عن الوزير زياد بارود الذي ليس من مهمته تذكير قوى الأمن بواجباتها. وتلفت هذه الأوساط إلى أن وزير الداخلية يتدخّل ليضبط التراخي الذي يصيب عناصر قوى الأمن بين الحين والآخر. كذلك تُحمّل الأوساط المذكورة هذه العناصر مسؤولية التراخي الحاصل بسبب عدم تأدية هؤلاء لواجبهم على النحو اللازم.
الأوساط نفسها تشير إلى أن التأهيل غير الكافي أو المعدوم للعناصر الأمنية يقف وراء التراخي الحاصل. فهؤلاء العناصر لم يخضعوا للتدريب على كيفية التعامل مع المواطن أو أداء واجباتهم وفقاً للأوضاع المستجدة، فضلاً عن غياب التحفيزات والتقديمات للعاملين في بعض قطعات قوى الأمن التي يعدّ العمل فيها شاقّاً. من هذا المنطلق، تلفت الأوساط إلى أنّ الهمّ الأول عند هؤلاء العناصر هو انتهاء دوام الخدمة للعودة إلى منازلهم بأقل وجع رأس ممكن دونما اكتراث لأداء الواجب.
في إطار الحديث عن التقديمات، تُشير أوساط وزارة الداخلية إلى أن انعدام التقديمات من شأنه أن يكون دافعاً لتفشّي الرشوة في صفوف هؤلاء العناصر، فيلجأون إلى قبول الرشوة للتعويض عن النقص الحاصل في التقديمات.
غياب دورات التأهيل لعناصر قوى الأمن تُُبقي الواقع القائم على حاله
في المقابل، يدافع ضباط في قوى الأمن عن أنفسهم في مواجهة الاتهامات الموجهة إليهم بالتراخي، فيربط هؤلاء المشكلة الحاصلة بالأزمة التي تعانيها مديرية قوى الأمن الداخلي لجهة النقص في العديد والعتاد. ويلفت أحد الضباط إلى أن كثرة المهمات الملقاة على عاتق عناصر قوى الأمن مقارنة بعددهم تؤدي إلى إنهاكهم عبر تحميلهم فوق مقدار استطاعتهم. وفي الإطار نفسه، يعرض أحد الضبّاط لـ«الأخبار» معادلة بسيطة كي يُظهر حجم الضغوط الملقاة على عاتق عناصر قوى الأمن وضباطها. يسأل هذا الضابط إذا طُلب من 50 عسكرياً تنفيذ 200 مهمة، فكيف سيتمكن هؤلاء من تنفيذ المهمات الموكلة إليهم؟ من جهة أخرى، يذكر مسؤول أمني رفيع لـ«الأخبار» أن اليوم الأمني هو إجراء تتبعه معظم وحدات الشرطة في مختلف أنحاء العالم، فهو يوم استنفار واستنهاض للقوى الأمنية. ويشرح المسؤول المذكور طبيعة هذا اليوم، فيشير إلى أنه رفع لوتيرة العمل اليومي التي تفاجئ المطلوبين، لافتاً إلى أن حصيلة التوقيفات أثناء اليوم الأمني تكون مضاعفة عن غيره من الأيام العادية. أما في ما يتعلّق بتفصيل أن يكون اليوم الأمني علنياً أو سريّاً، فيلفت المسؤول الأمني إلى أنه يؤخذ بالحالتين، مشيراً إلى أن إعلانه يمثّل رسالة ردع للمواطنين والمطلوبين على حدّ سواء. إذاً، لليوم الأمني أهمية كبيرة في ضبط الفلتان ومكافحة الجريمة، فلماذا لا تكون جميع أيام السنة أمنية؟ يجيب المسؤول المذكور عن السؤال المطروح بأن استنهاض القوى الأمنية يرتّب أعباءً كبيرة على عناصر قوى الأمن، الأمر الذي يؤدي إلى إرهاقهم إذا طال أمد هذا الاستنفار.
يرتفع بين هذه الأصوات موقف لضابط آخر يقدّم وجهة نظر مغايرة لشرح فكرة اليوم الأمني، فيؤكّد عدم كفاءة العناصر وقلة عددهم في الوقت نفسه، الأمر الذي يُسهم في رفع نسب التفلّت الحاصل. ويتحدث الضابط المذكور عن غياب دورات التأهيل لعناصر قوى الأمن، الأمر الذي يُبقي الواقع القائم على حاله. كذلك يشير إلى ناحية أخرى تتعلّق بترهّل أعمار الرتباء المؤهلين، ما يحول دون مشاركة فاعلة من هؤلاء ميدانياً؛ لأنهم فُرزوا للعمل في المكاتب.
وسط التفاوت بين آراء المسؤولين والضبّاط، يبرز رأي عدد من المواطنين الذي لا يأتي منسجماً مع الآراء المستطلعة. فيتحدّث أحدهم عن تفشّي الرشوة في صفوف هؤلاء، ما يؤدي إلى تضعضع ثقة المواطن في أدائهم. ويشير آخر إلى أن استشراء المحسوبيات والوساطات يُخيف عناصر قوى الأمن فيدفعهم إلى ضرب أخماس بأسداس قبل ضبط أي مخالفة. ويشير الضابط المذكور إلى أن المسؤولين الأمنيين في الخارج يستفيدون من أي خلل أمني لإعلان حالة الطوارئ، فيكون هذا الخلل بمثابة فرصة للقوى الأمنية في ذلك البلد لإظهار قدراته التي لا تتناسب أحياناً مع حجم الحدث.
الآراء المسوقة تُبرّئ سياسة الأمن الموسمي المعتمدة باعتبارها ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لضبط الأمن؛ لأنها تُعتمد في العديد من دول العالم بعدما ثبتت جدواها في ردع الجريمة ومكافحتها، لكن لا يمكن انتهاجها يومياً لأنها تُرهق العسكر. كذلك تؤكّد هذه الآراء ضرورة تزويد مديرية قوى الأمن الداخلي بالعديد والعتاد اللازمين لتكون قواها على استعداد عند الضرورة، من دون إغفال محاسبة المتقاعسين من العناصر في أداء واجبهم اليومي.


ليالي الجنوب «النظامية»

نفذت قطعات قوى الأمن الداخلي في النبطية ليلاً أمنياً، تمكّنت خلاله من توقيف عدد من الدراجات النارية والسيارات المخالفة للقوانين. ستستمر الحملة الأمنية طوال أيام العيد لقمع كل مخالفات السير للحد من الحوادث على الطرقات.
يُشار إلى أن اليوم المذكور يأتي ضمن الخطة الموضوعة من قيادة منطقة الجنوب الإقليمية في قوى الأمن الداخلي لتوطيد الوضع الأمني في الجنوب وقمع المخالفات في ظل حوادث السير المتكررة. وقد شمل الليل الأمني الحواجز والدوريات في المدن الرئيسية في صيدا وصور والنبطية والطرق الدولية المؤدية من الجنوب إلى بيروت والبقاع. وجاءت حصيلة الليلين الأمنيين الاستثنائيين 18 موقوفاً بجرائم سرقة وسلب ونشل. كذلك حُجزت 128 سيارة بمخالفات السرعة الزائدة وعدم وجود أضواء خلفية وعدم دفع رسوم الميكانيك أو الخضوع للمعاينة. كذلك حُجزت 180 دراجة نارية ضمن محافظتي الجنوب والنبطية بمخالفات معظمها لقيادتها من قاصرين أو عدم وجود أوراق ثبوتية.