صيدا ــ خالد الغربيها هي مدة النصف الساعة التي وعد بها الخاطفون نجاة النقوزي، زوجة القيادي الشيوعي الصيداوي محيي الدين حشيشو، لإعادته إلى عائلته سالماً، تمتد 28 عاماً. 28 عاماً وما زال مصير الرجل مجهولاً. أما بتّ الدعوى القضائية التي تقدمت بها زوجته ضد أشخاص ثبُتت مشاركتهم في الاختطاف، فلا تزال تخضع لتأجيل تلو الآخر، دون أن ينجح كل ذلك في دفع نجاة إلى اليأس. نجاة قالت لـ«الأخبار» إنها لن تستريح «قبل معرفة مصير زوجي، حتى ولو دلّوني على عظمة واحدة من رفاته، إن ثبت موته». هذه العظمة ستأخذها نجاة وتدفنها لتكون مزاراً لزوجها الذي ما زالت تنتظره.
وكانت عملية الاختطاف قد جاءت بعد ساعات على مقتل الرئيس المنتخب تحت حراب الإسرائيليين بشير الجميّل. توقّع حشيشو فور سماعه النبأ أعمالاً عنفية، وأن يكون «الضحايا من المدنيين كثراً». لم يعِ أبو أسامة أنه سيكون من بين هؤلاء الضحايا.
الدعوى التي تقدّمت بها زوجته لا تزال تخضع لتأجيل تلو الآخر
ويوم أمس، يوم الذكرى، كان حزيناً وقاسياً. تمسح نجاة بمنديلها دموعاً تساقطت على صورة زوجها، وهي تروي قصة الاختطاف، «كان محيي الدين مستلقياً على الكنبة، مرتدياً بيجامته ويتصفّح كتاباً بعنوان (محنة العقل في الإسلام) عندما دهم عناصر مسلحون من القوات اللبنانية المنزل». ضلّت السيارتان بداية طريقهما وتوجّهتا خطأً إلى منزل آخر على بعد أمتار، لتعودا مجدداً إلى «الهدف». انتشر المسلحون في محيط المنزل مهدّدين جيرانه الذين أطلّوا من الشرفات بقطع الرؤوس إذا لم يلازموا منازلهم. «الظاهر قاصدينا»، لم يكمل حشيشو جملته حتى دخل العناصر منزله وأمروه بالتوجه معهم وهدّدوه بالقتل إن لم يمتثل لأوامرهم. ألقى أبو أسامة نظرة سريعة على وجوه أفراد عائلته، «كأنه عرف أنه لن يعود. أخرجوه وعلا صراخنا»، تتذكر نجاة.
لاحقاً تبين أن عناصر من القوات اللبنانية كانوا قد استبقوا اعتقال حشيشو باعتقال رفاق له من الحزب الشيوعي، أُطلق سراح أحدهم بعد أيام، وأفاد أنه شاهد بعد يومين من الاعتقال «أبو أسامة» داخل سجن ثكنة القوات اللبنانية في كفرفالوس، ثم لم يعد يعرف أيّ شيء.
تنتظر نجاة جلسة 9 تشرين الثاني في محكمة جنايات الجنوب، وهي تحاذر في الحديث عن «الشق القضائي» المتعلق بقضية زوجها، إلا أنها تأمل ألا تكون الجلسة كسابقاتها، فتؤجّل بسبب تغيّب المتهمين الثلاثة الذين أوقفوا بجرم الاختطاف قبل أن يُتركوا لعدم «كفاية الأدلة». وبعض رفاق حشيشو يتحدثون عن تدخّلات في عمل القضاء، فيذكر أحدهم اسم مرجع ديني كبير تدخّل لدى القضاء لإخلاء سبيل الثلاثة الذين أوقفوا بتهمة اختطاف حشيشو. ورغم كل ذلك، نجاة ما زالت تنتظر محيي الدين، أو أن ينصفها القضاء.