قاسم س. قاسمفي منطقة الرحاب، الطريق سالكة أمامك باتجاه بوابة المقبرة، والبسطات التي اعتادت أن تحتل الرصيف اختفت بقدرة قادر. تسأل أحد الباعة المتوقف إلى جانب باب الجبانة عن أصحاب تلك البسطات. يشير بيده الى الجهة اليمنى، فتجد عربة كُدّست عليها الملابس. «البنطلون بخمسة آلاف، قرّب واشترِ من عنّا». تردّد المسجلة التي وضعها صاحب البسطة، أمام عربته. يبتسم الرجل وهو يعرض عليك بنطالاً، معتقداً بأنك سـ«تنفّعه». تسأله عن سبب ابتعاده عن النقطة التي اعتاد الوقوف فيها. يجيبك «كل عام في مثل هذه الفترة أنتقل الى هنا، لأن البلدية تطلب منا ذلك، لأن الوفود ستأتي لزيارة الجبانة». بالطبع «البيع هنا أقل من أمام الجبانة» يقول. أما السبب؟ لأنه يوجد «هنا الى جانب بسطتي، عدد من البسطات التي تبيع ما أبيعه، ما سيؤثر في عدد زبائني». البائع الذي انتقل مضطراً الى نقطة أخرى، ليس وحيداً. مثله مثل كثير من الباعة ينتقلون «مئة متر لليمين، أو للشمال، أو بيوقفوا مقابل الجبانة، أو بيوضبوا بضائعهم في المستودعات» بانتظار انتهاء الاحتفال بالمناسبة، كما يقول أحد باعة الخضار الملاصق محله للجبانة. هكذا، لا تعثر العين بحلول السابع عشر من أيلول على ما «يشوّش» على هيبة الذكرى، أمام البوابة الرئيسية لمقبرة مجزرة صبرا وشاتيلا. بالنسبة إلى أحد هؤلاء الباعة فإن دوام العمل في 17 أيلول هو «نص نهار. لأني بسكّر كم ساعة برتاح فيهم، والرزقة على الله، والله يرحم اللي ماتوا». لكن المشكلة الأخرى يوم الذكرى هي حيرة الإعلام والمهتمين بعدد الضحايا. هناك من يقول إنهم 300 وهناك من يقول إن عددهم يزيد على ثلاثة آلاف. «3345 شخصاً هم ضحايا المجزرة» يؤكد أحد المسؤولين الفلسطينيين، الذي كان موجوداً عند إحصاء الجثث. يعزّز وجهة نظره بالقول»حينها كان صائب سلام موجوداً معنا عندما أحصيناها». لا تتوقف التصويبات عند العدد. فالمجزرة التي اشتهرت باسم صبرا وشاتيلا، لم تقع داخل المخيم في شاتيلا، أو في شارع صبرا، وهو ليس بمخيم، حتى إن الأونروا لا تعترف به بوصفه كذلك. ومنفذو المجزرة بحسب من عاشوا تلك الليلة، انطلقوا من المدينة الرياضية باتجاه مخيم شاتيلا، لكنهم لم يدخلوه. ومن منطقة بئر حسن، حرش القتيل، باتجاه شاتيلا، ومن محطة الرحاب باتجاه المخيم وصولاً إلى مستشفى غزة. نفّذوا جريمتهم تحديداًَ بين منطقتي بئر حسن والحي الغربي للمخيم. هكذا، إذاً يمكن القول إن المجزرة ارتُكبت في مناطق لبنانية كان يسكنها فلسطينيون. أما بالنسبة إلى منطقة صبرا فإن عناصر الكتائب لم يدخلوها كلياً، ونفّذوا جريمتهم على أطرافها. «كنا نهرب الى الأزقة الداخلية للمخيم، حيث كنا نحتمي من عمليات القتل»، كما كان قد قال أحد الناجين من المجزرة. لكن كيف أصبح اسم المجزرة صبرا وشاتيلا؟ «يمكن اعتباره خطأً شائعاً، لأن المنطقة بأكملها كانت تُعرف بصبرا، ومن الأصح تسميتها مجزرة بئر حسن ـــــ شاتيلا، أو حوش القتيل شاتيلا»، كما يقول المسؤول الأمني الفلسطيني.
هكذا، تنتبه إلى أنه في شهر أيلول من كل عام يرتدي مخيم شاتيلا حلّة جديدة. أزقّته تصبح أنظف، والمياه التي اعتادت اجتياح الأزقة الضيقة، نتيجة سوء تصريفها، تتوقف الى حين. لكن ما رأي الفلسطينيين في هذه الحركة الموسمية للأجانب والمتضامنين في مخيماتهم؟ في أحد أزقة شاتيلا يجلس خضر الشولي ممسكاً بفنجان قهوته. بالنسبة اليه حضور الأجانب «إشي منيح»، فمن الجيد أن ترى أن هناك من يتذكر ما جرى «معنا منذ 29 عاماً لكن هذه التحركات كلها إعلامية». يصمت الشولي قليلاً، يتردد في إكمال عبارته ليضيف «ما تنساش الجمعيات، اللي بيستفيدوا من مصريات هادول الأجانب، يعني بيشحدوا علينا».