فوضى وزحمة وممارسات لا تطاق. تجاوزات وتجاوزات والمشتكون بعد أن يصرخوا ويتعاركوا، يفضلون عدم ذكر أسمائهم. متى تحلّ المكننة مشاكل دوائر النفوس؟
نقولا أبو رجيلي
كأن التحدّث عما يجري بين جدران دائرة سجل النفوس في زحلة، دونه عواقب وخيمة، أو أنه لسبب ما خفي علينا، يعتبر من المحرّمات. مع أنه من لبّ مسؤوليات الناس، وهم الرأي العام، أن يشتكوا تقصير المؤسسات. هذا هو الانطباع الذي يخرج به المرء من جولة أولية، حاولت فيها «الأخبار» تسليط الضوء على وضع بدأ يتحول إلى ما يشبه الفضيحة في دائرة نفوس زحلة. فجميع الذين قرروا، كما كانوا قد قالوا لنا سابقاً، «بق البحصة»، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، وذلك تحسباً لما وصفوه بـ«خط الرجعة»، وهو الاسم الآخر للإجراءات الانتقامية التي قد يتعرضون لها لو أنهم صرحوا بهويتهم. بعضهم بلغ به اليأس أن اعتبر أنه لا جدوى من تناول هذا الموضوع في الإعلام، لأن ذلك لا يقدّم ولا يؤخر، وبحسب رأيه «هذا المكان يشبه حارة كل مين إيدو إلو، وجلّ ما سيحصل إن اهتم أحد لما سينشر في وسائل الإعلام، هو تحرّك المعنيين وضبط الأمور لفترة وجيزة، لتعود حليمة بعدها إلى عادتها القديمة».
سجلات قيد نفوس ممزقة، صفحاتها مهترئة، بالكاد تظهر حروف مدوّناتها وأرقامها، كراسي وطاولات وخزائن متهالكة، جدران يكسوها الدخان، لوحة إعلانات ثبتت عليها مذكرات إداريّة، مضى على تاريخ صدورها سنوات عدّة، ضجيج وفوضى عارمة داخل المكاتب وخارجها، أوراق وبيانات قيد إفرادية وعائليّة تتناقلها أيادٍ، من الصعب التعرّف إلى طبيعة عمل أصحابها. هنا، في «دائرة كل من إيدو ألو» يختلط «حابل» الموظف بـ«نابل» معقبي المعاملات والمخاتير والسماسرة الذين يتجولون داخل غرف الدائرة وبين الطاولات بحرية، وعلى نحو يتمكنون بسهولة من الاطلاع على السجلات والعبث بمدوناتها. رجال أمن يرتدون الزيّ المدني، يستخدمون نفوذهم لإنجاز معاملات أقاربهم ومعارفهم ومن لفّ لفهم، ناهيك عن انهماك الموظفين في تلبية طلبات المسؤولين الإداريين والأمنيين والعسكريين. هذا غيض من فيض ما يحدث في أروقة دائرة النفوس في زحلة خلال الدوام الرسمي.
بيانات شخصية تتناقلها أيادٍ يصعب معرفة طبيعة عمل أصحابها
يردّ مسؤول أمني أسباب الفوضى وتذمّر المواطنين من تأخير إنجاز معاملاتهم، «بالدرجة الأولى إلى سوء حال السجلات، وتالياً عدم تنظيم عمل الموظفين، والأهم من كل ذلك، هو أن بعض الموظفين في الدائرة، يحضرون إلى مركز عملهم كل صباح، وبحوزة كل منهم أعداد كبيرة من الطلبات لإخراجات قيد فرديّة وعائليّة، ينشغلون في إنجازها خلال الدوام». وهذا بطبيعة الحال، يضيف المسؤول الأمني، «يأتي حتماً على حساب أصحاب المعاملات، الذين يضطر معظمهم إلى الوقوف لساعات أمام أبواب الدائرة، بانتظار استلام معاملاتهم، التي يتبيّن أن بعضها تشوبه الأخطاء، وبالأخص في عدد الأولاد الذين يسقط سهواً إدراج اسم أحدهم في بيانات القيد العائليّة» حسب تعبيره.
«بدنا بعد شي 200 سنة لنصير عالم»، عبارة يرددها أبو هشام، قبل أن يروي ما يحصل معه في دائرة نفوس زحلة «لولا تدخل أحد أقربائي من رجال الأمن، لأصبحت أم أولادي في خبر كان، فالخانة التي دوّن فيها اسم زوجتي، مزق طرف صفحتها على شكل مثلث وانقلبت رأساً على عقب، ما يضطر الموظف إلى التفتيش بدقة والتمحيص بتأن وحذر، من أجل إدراج المعلومات في بيان قيدي العائلي». ويتابع «ما زاد الطين بلّة، هو ما أبلغني به قريبي الذي أرسلته، بأن الموظف رفض ترقيع الجزء الممزق من الصفحة بشريط لاصق».
يبقى أن سيلاً من الأسئلة يطرحها أبناء قضاء زحلة في هذا الإطار تتمحوّر كالآتي: في أي زمن ستُمكنن الأحوال الشخصيّة في دائرة نفوس زحلة أسوةً بجيرانها من الدوائر الرسميّة، كالسجل العدلي، والسجل العقاري، وغيرهما؟ وما هي الأسباب التي تحول دون ذلك؟ وأبسط الأمور، ما هي مبررات عدم نسخ مدونات سجلات النفوس القديمة على أخرى جديدة؟ ومن المسؤول عن وضع حدّ لتجاوزات البعض في هذه الدائرة الرسميّة؟». مجموعة استيضاحات يضعها أهالي البقاع الأوسط برسم وزير الداخليّة والبلديات زياد بارود.