مجروران ومكبّ وأمراض صدرية «ع مدّ النفس». هذه هي حال بلدة المرج التي تحول فيها نهرا الغزيل والليطاني إلى مجارير لتصريف المياه المبتذلة. وليس هذا فحسب، فالبلدة محاصرة بمكب نفايات بلدة قب الياس، أما معمل تدوير النفايات في بر الياس؟ فينتظر موافقة وزارة البيئة
البقاع ــ أسامة القادري
لا تُحسد بلدة المرج على موقعها بين نهري الغزيل والليطاني. فبلدة ما بين النهرين الجميلين، التي كان موقعها نعمة تغمر البلدة، باتت اليوم نقمة، بعدما تحوّل النهران اللذان يحاصرانها إلى.. «مجرورين». وكأن حصار المجارير لا يكفي، فتضاف إليه روائح مكب نفايات بلدة قب الياس المجاورة، وما تحويه من جيف الحيوانات والنفايات الصناعية والعضوية، ناهيك عن الكلاب والقطط الشاردة التي تقلب المكب رأساً على عقب. وما يزيد الطينة بلّة، اندلاع الحرائق في المكب بين الفينة والأخرى، التي تغطّي بدخانها سماء البلدة، وما يستتبع ذلك من «خنقة». وليس هذا فحسب، فقد سببت تلك السموم المتراكمة والروائح انتشار بعض الأمراض الصدرية من ربو وضيق نفس. أمام هذه المشاكل كلها، الصحية منها والبيئية، يقف أهالي المرج وبلديتها حائرين. منتظرين. يتساءلون عن الجهة القادرة على حل مشكلتهم. مطلبان اثنان يطرحهما الأهالي فقط: «تحرير» مياه النهرين من الصرف الصحي، والضغط على بلدية قب الياس لأن تحل مشكلة نفاياتها بنقلها إلى معمل تدوير النفايات في زحلة. لكن، من يسمع النداء؟ وخصوصاً أن بلديات المرج المتعاقبة لم توفر وسيلة اعتراض إلا وتقدمت بها أمام وزارات الداخلية والبلديات والبيئة والصحة العامة، ودائماً النتيجة تكون وعداً بالحل. وعود تحترق، كما يحرق عود الثقاب المكب المجاور ويغمر البلدة بسحابة دخان خانقة لا مفر منها في الحيين الغربي والشرقي.
يشتاق ماهر صالح، وهو «جار» المكب وأحد «المجرورين» في الحي الغربي، للجلوس وأسرته على الشرفة، فيشير إلى أنه «منذ سنوات لم نخرج من البيت». ويضيف «بعز الشوب وبحاجتنا لنسمة هوا ما منقدر نفتح شباك، إذا كان عم يحترق بيخنقنا دخانه، وإذا مش عم يحترق بتموّتنا ريحة الفطايس والزبالة ورائحة الغزيل». بحرائق ومن دونها، الحال نفسها «روائح وخنقة».
لا تختلف حال محمود حسنة عن باقي أبناء البلدة، فهو أيضاً يعاني المشكلة نفسها.. مع بعض الإضافات: الأمراض الصدرية وضيق التنفس. ويشير حسنة إلى أن «كل الأطباء أكدوا لي أن سبب سعال أولادي الدائم هو تعرضهم للدخان الملوث، وليس هذا فحسب، فابني يعاني التهابات في الرئة». لن يجد الرجل أمامه سوى الشكوى، فكأن مصاريف المعيشة لا تكفيه «لتضاف إليها كلفة الأدوية، التي هي الأخرى ضريبة لا مفر منها ما دام المكب جارنا».
ولّدت تلك الجيرة أمراضاً فقط. وهنا يؤكد إبراهيم جاجي، رئيس لجنة الصحة في بلدية المرج، أن «70% من الأمراض التي يتعرض لها أبناء البلدة والمتزايدة منذ 4 سنوات، ناجمة عن التلوث البيئي». وأوضح «أن الأطباء أكدوا أن السموم الآتية من المكب والنهرين ــــ المجرورين سبب رئيسي في تفاقم عدد من الأمراض». وأكثر من ذلك، لفت المهندس سعد زين الدين، وهو ناشط بيئي «إلى مخاطر مادة الديوكسيل الغازية التي تنتجها النفايات، وخاصة عند احتراق البلاستيك، وفضلات المواد الصناعية والعضوية والزيوت منها، وهي إلى كونها من المواد المحظورة عالمياً، من أكثر المواد المسببة للأمراض السرطانية».
ولفت عقل عقل، رئيس لجنة البيئة في البلدية، إلى أن «البلديات المتعاقبة في البلدة تقدمت بشكاوى عديدة إلى وزارة البيئة كي تضع حلاً لذلك المكب، وللأسف كلها لم تنفع، وما زالت الحال على ما هي عليه منذ عشر سنوات».
أما عماد الشموري، رئيس بلدية المرج، فقد اتهم رئيس بلدية قب الياس، «بالتهرب من مسؤولياته، تاركاً سموم المكب تفتك بأبنائنا». وأشار إلى أن حيدر «نكث بالتعهد الذي وقّع عليه عند المحافظ في عدم إحراق المكب، وفي كل مرة يحرق المكب يتهم مجهولين بالقيام بذلك». وسأل عن مصير الكتاب الذي أرسله وزير البيئة محمد رحال إلى وزير الداخلية، القاضي بوجوب إقفال المكب نهائياً. وأردف قائلاً «لماذا علينا تحمّل وزر نفايات قب الياس التي تفتك سمومها بأجسادنا وأجساد أطفالنا؟»، مطالباً «بلدية قب الياس بحل المشكلة كما نفعل نحن، فلينقلوا نفاياتهم إلى معمل زحلة ريثما ينشأ معمل النفايات في بلدة بر الياس».
من جهته، ردّ رئيس بلدية قب الياس فياض حيدر على اتهام بلدية المرج له بحرق المكب، قاذفاً هذه التهمة إلى بلدية المرج. وفي هذا الإطار، يشير حيدر إلى أن «بلدية المرج هي التي تحرق المكب لإثارة الملف من جديد، بعد رفضنا رمي نفاياتهم فيه». وقال: «نحن ملتزمون بعدم حرق المكب، وإذا أحرق يكونون هم من يحرقونه». ولئن كان حيدر لا ينكر تضرّر بلدة المرج من «مكبّه»، إلا أنه يشير إلى أن «جميع الأحياء الشرقية لبلدتنا متضررة أيضاً، ونحن كبلدية نطمر النفايات قانونياً». ويوضح أن حل مشكلة المكب في نقل النفايات إلى معمل زحلة «مكلف ولا طاقة للبلدية على تحمل هذه الكلفة، باعتبار قب الياس تنتج يومياً 40 طناً من النفايات كلفتها في معمل زحلة أكثر من ألف دولار أميركي، وهو مبلغ ضخم لا طاقة لنا عليه، يعني كلفة التخلص من النفايات في السنة حوالى 550 مليون ليرة». وطالب حيدر وزير البيئة محمد رحال بالإسراع في مشروع إنشاء معمل لتدوير النفايات، لحل مشكلة عدد من قرى البقاعين الغربي والأوسط، بعدما قدمت بلدية بر الياس قطعة أرض ليقوم عليها المعمل، باعتبار أن هذا المشروع لن تقوم به وزارة البيئة وحدها، إنما سيكون ثمرة تعاون بينها وبين اتحادي بلديات البقاع الأوسط، وبلديات السهل في البقاع الغربي، وبين مقاطعتي بلفور ومونريال في كندا.


الاحتجاج الأخير

قبل أسبوعين، قطع أهالي بلدة المرج الطريق الرئيسية المؤدية إلى قرى البقاع الغربي. لم يكن هدفهم قطع السبل، ولكن الاحتجاج لبعض الوقت على مكب نفايات بلدة قب الياس، علّ أحداً يحلّ مشكلتهم. وخلال الاحتجاج، أصدر الأهالي بياناً دعوا فيه الجهات المعنية والمسؤولة لإيجاد حلّ لهذه «الكارثة البيئية والصحية»، مشيرين إلى أن «معاناتنا سببها الجريمة التي ترتكبها بلدية قب الياس بشخص رئيسها في حقهم فياض حيدر، فقد وصلت الأمور إلى حد لا يطاق وأصبح لزاماً علينا وعلى كل المسؤولين أن نغلق هذا الملف ونضع حداً لهذا العبث بحياة الناس، والاستخفاف بالقيم والقوانين».