انتهاك حقوق العاملات الأجنبيات في لبنان تتعدد مستوياته، وتمتد مساحته الجغرافية لتغطي كل البلاد، محاربة المشكلة تكون من خلال المجتمع المدني وسلطات متعددة، وفق تقرير هيومن رايتس ووتش، أخفق القضاء اللبناني في تأمين هذه الحماية
بيسان طي
في 30 آب الماضي، صدر قرار ظني عن القاضي فادي العنيسي في قضية عاملة إثيوبية، بيّنت التحقيقات أن مشغلتها قد أقدمت على رميها من شرفة منزلها في الطبقة الـ 12 من مبنى في بيروت.
قبل ذلك بشهور، تحديداً في 9 كانون الأول الماضي، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في البترون منير سليمان حكماً بحق امرأة لبنانية أقدمت على ضرب عاملتها الفيليبينية.
مع صدور الحكم، ثم القرار الظني، رأى الناشطون من أجل حقوق الإنسان أن القضاء يسجّل انتصارين لمصلحة حقوق العاملات، بل حقوق الإنسان. ولكن «الصورة البهية» سرعان ما تتراجع ليحل مكانها مشهد ضبابي عند النظر في كيفية تعاطي القضاء عموماً مع القضايا المقدمة من عاملات منازل أجنبيات أو ضدهن، بل إن تقريراً صدر أمس عن جمعية «هيومن رايتس ووتش» في لبنان تحت عنوان «بلا حماية» حمل أيضاً عنواناً ثانياً كالآتي «إخفاق القضاء اللبناني في حماية عاملات المنازل الوافدات». تتعدد عناوين ما اعتبره التقرير «إخفاقاً»، ربما تكون قضية التوقيف الاحتياطي أبرزها، حيث يجري توقيف العاملة في حال رفع شكوى ضدها، وقد تبيّن في نسبة كبيرة من هذه الحالات أن المدّعى عليهنّ بريئات من التهم المنسوبة إليهنّ.
أمس، أطلق التقرير في بيروت. وفي جلسة الافتتاح، تحدث نديم حوري الباحث في منظمة «هيومن رايتس ووتش» والمحامي رولان طوق عما جرى التوصل إليه، ثم أقيمت طاولة مستديرة لمناقشة مشكلة انتهاك حقوق العاملات الأجنبيات في لبنان، وهي «مشكلة عابرة للحدود الطائفية والمناطقية»، وفق تعبير حوري.
العنف ضدّ العاملات كثيراً ما يفشل في كسب اهتمام الشرطة والمدّعين العامين
يلفت التقرير إلى أن الحكم الذي أصدره القاضي سليمان ألقى الضوء على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تضطلع به السلطة القضائية في حماية العاملات، وقد أثار السؤال الآتي «هل كانت قضية العاملة الفيليبنية حالة نادرة من الحالات التي يُسجن فيها رب العمل ليحاسب عن انتهاكات ضد العاملات، أم كانت جزءاً من حملة أوسع من الملاحقات القضائية الناجحة؟». معدّو التقرير لفتوا إلى وجود عدة عوامل تحول دون تقدم العاملة بشكوى عند تعرضها للضرب أو لأي انتهاك لحقوقها، أو متابعة الشكوى، ومن هذه العوامل الافتقار إلى الدعم القضائي، والخوف من الاتهامات المضادة والاعتقال، وسياسة التأشيرات، وغير ذلك من الأمور، إلا أن اللافت هو طول المدة التي تتخذها التحقيقات والمحاكمات قبل صدور الحكم في أي قضية ترفعها عاملة. خلال هذه المدة ـــــ التي تتراوح بين 21 و54 شهراً ـــــ تغادر العاملة لبنان، وتفتقر إلى من يتابع قضيتها.
التقرير يلفت أيضاً إلى أنه في بعض الأحيان، حين تتقدم العاملات بشكاوى، تهمل الشرطة والسلطات القضائية بانتظام التعاطي مع بعض الانتهاكات في حق عاملات المنازل على أنها جرائم.
114 حكماً قضائياً جرت مراجعتها لإعداد التقرير، وفيه إشارات إلى تغاضي القضاء أحياناً عن بعض حقوق العاملات، نقرأ أنه في الحالات التي اشتكت فيها العاملات من احتجاز أرباب العمل جوازات السفر الخاصة بهنّ «صرفت المحاكم النظر عن الشكوى، أو اكتفت بالطلب إلى رب العمل بإعادة الوثائق»، بل يضيف التقرير إن بعض القضاة رفضوا احتجاجات نشطاء ومحامين لمنع حجز وثائق العاملات.
الأسوأ هو ما نقرأه من أن «العنف ضد العاملات كثيراً ما يفشل في كسب اهتمام الشرطة والمدعين العامين الذين لا يشرعون بملاحقة قضائية إلا في حالات العنف الجسدي الجسيم المدعوم بتقارير طبية شاملة». وإذا كانت غالبية الشكاوى المرفوعة ضد عاملات تشمل اتهامهن بالسرقة، فاللافت وفق معدي التقرير أن نسبة كبيرة من التحقيقات تستند إلى كلام المدعي، أي رب العمل.
الإخفاقات، وفق التقرير، طالت أيضاً ما تعانيه العاملات في «مواجهة النظام القانوني دون تمثيل قانوني مناسب»، حيث تكثر نسبة القضايا التي تفتقر فيها العاملة إلى محامٍ يدافع عنها، وتبيّن أنه خلال التحقيقات ـــــ أو خلال نسبة كبيرة من التحقيقات ـــــ عدم وجود مترجم ينقل للعاملة ما يُطرح عليها من أسئلة. في بعض الأحيان، اعتمد رب العمل ـــــ أي المدعي ـــــ مترجماً (!)، وفي أحيان أخرى استُقدم مترجم غير رسمي.
«المحاكم تحابي أرباب العمل»، هذه الجملة ـــــ أو هذا الانطباع ـــــ وردت على لسان عاملات أجنبيات ومسؤولين في سفارات أجنبية قابلهم مندوبو «هيومن رايتس ووتش»، فيما تحدث بعض المعنيين عما سمّوه «عبء الإثبات» بالنسبة إلى العاملات في الشكاوى المرفوعة ضدهن. إلا أن التقرير يتوقف عند محطة مضيئة تتمثل بحكم صدر عام 2002 عن محكمة استئناف المتن التي برأت عاملة إثيوبية من تهمة السرقة لأنه «من ناحية المبدأ، لا يجوز لخصم في الدعوى أن يبني إثباتاً لادعائه لمجرد كلامه، وإنما يقتضي تأييد هذا الادّعاء بأدلة خارجية...».


توصية بإنشاء وحدة تفتيش

خُتم التقرير بمجموعة من التوصيات الموجهة إلى وزارات العدل والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية، وإلى السلطة القضائية، وإلى الأمن العام، ثم إلى مجلس النواب والحكومة. العنوان اللافت فيها هو «تنظيم دورات تدريبية للقضاة والمدعين العامين حول حقوق العاملات، إضافة إلى دورة لرجال قوى الأمن لتعريفهم كيفية الاستجابة لشكاوى العاملات.
طُرحت توصية بإنشاء وحدة تفتيش العمل لتُكلف بمراقبة ظروف عمل هؤلاء العاملات، وتعزيز الأنظمة ومراقبة مكاتب الاستقدام، وإعداد قائمة سوداء بأرباب العمل الذين ينتهكون حقوق العاملات في منازلهم. وفي التوصيات دعوة إلى توسيع الحماية المعطاة للعمال في القانون، و«التصديق على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم».


لقطة

تعمل في لبنان 200 ألف عاملة أجنبية، عدد كبير منهن يصلن إلى البلاد بطرق غير شرعية، وذلك بعدم أعلنت حكومات دول عدة عدم السماح لمواطناتها بالعمل في لبنان نتيجة تزايد الانتهاكات.
من جهة ثانية، جرى أمس لفت الانتباه إلى ضرورة فتح نقاش قانوني بشأن نظام الكفيل، فهو يؤدي إلى تقوية سلطة رب العمل على العاملة ويؤدي إلى تكريس الانتهاكات. كما كان لافتاً الكلام عن دعاوى يرفعها أرباب عمل للضغط على العاملات للتنازل عن حقوق لهن أو لتغطية شكاوى أخرى. وأخيراً لفت نديم حوري والمحامي رولان طوق إلى أن السلطات المعنية لم تعمد إلى توقيف أي رب عمل توقيفاً احتياطياً لدى ادعاء عاملة منزل عليه، فيما تخضع عاملات المنازل للتوقيف الاحتياطي عندما يرفع أرباب العمل دعاوى ضدهنّ.