شكوى من إزعاج وأضرار بيئية امتدت عقداً من الزمن دون أن تبت فيها الوزارات المعنية أو القضاء، الشكوى يرفعها سكان مار شعيا ضد شركة تستثمر عقاراً في جورة البلوط، أما وكيل الشركة فيتسلح بالتراخيص الرسمية
بيسان طي
مع بدء السنة القضائية أول من أمس، ثمة من ينتظر أن تبت المحاكم المختصة بعشرات ملفات تتكدس في الأدراج منذ سنوات، منها شكوى يرفعها أفراد من سكان منطقة مار شعيا المزكة منذ سنوات طويلة أمام القضاء ووزارتي الصناعة والبيئة، وأمام محافظ جبل لبنان، ضد شركة «م» (MSC) التي تستثمر العقار40ــــ42/ جورة البلوط وإقامة معمل للباطون في حي سكني. مقدمو الشكاوى يحتجون على «ما تسببه شركة «م» (MSC SAL) التي اتّخذت لنفسها في منطقة سكنية مكسوة بأحراج الصنوبر موقعاً للتصنيع على مفترق الطرق التي تربط قنابة برمانا وجورة البلوط ــــ برمانا على تماس مع مستديرة القنابة، وعلى أقل من خمسة عشر متراً من أول المساكن في تلك المنطقة. ولديها شاحنات/ جبالات تنتقل في أي وقت وتمّر في الأحياء السكنية التابعة لهذه المنطقة، وهي شاحنات مخصصة لنقل الباطون، ولدى مرورها تبث الملوّثات باستمرار، فضلاً عن الضجيج غير المألوف، مسببة الضرر للسكان القاطنين في الأحياء المذكورة وللأولاد. وتستمر حركة الشاحنات بوتيرة عالية أحياناً بعد منتصف الليل، وتتصاعد من المصنع الملوّثات الناتجة من عمليات الجبل حيث يتنشقه سكان المنطقة يومياً ليلاً نهاراً. وتبث الشاحنات سموم المازوت في الأحياء السكنية، وتلوّث الجو كما تلوّث البيئة بغسل مخازنها في أحراج الصنوبر، وهذه الشاحنات، بالإضافة إلى تنقلها مرات كثيرة في اليوم الواحد وفي أوقات غير منتظمة وحتى منتصف الليل، تترك لدى تنقلها آثار باطون على الطرق، ما يسبب زحمة سير وحوادث ناتجة من انزلاق السيارات بسبب تساقط الإسمنت المجبول بالبحص عند المنعطفات، لا سيما المنعطف المؤدي إلى برمانا، وبالتالي يهدد سلامة الأشخاص، وتحفّر الطرق من كثرة السير عليها دون هوادة منذ أكثر من عشر سنوات بناءً على «رخصة مؤقتة لثلاثة أشهر» صادرة عن وزارة الصناعة. وقد تجمّدت رواسب الإسمنت المتساقطة من الشاحنات على المنعطفات وتآكل الزفت من مرورها عليها.
في شكوى مرفوعة في 20/10/2008 إلى رئيس مصلحة حماية البيئة السكنية بالإنابة، وقد استند المشتكون إلى عدة مراجع أبرزها كتاب المديرية العامة للبيئة الرقم 219/ب/ش تاريخ 16/7/2007، أنه نتيجة الكشف على الموقع تبين أن المؤسسة موضوع الشكوى ضمن منطقة ذات طابع حرجي، وأنه ينتج من نشاطها ملوّثات هوائية، ونفايات سائلة، ونفايات صلبة، وتلوث ضوضائي. وتوقفت التقارير المتخصصة عند الإجراءات التخفيفية المتخذة من إدارة المؤسسة للحد من الأضرار المذكورة، ولكن نقرأ في تقارير صادرة عن وزارة البيئة «... أن الوزارة لم تبد رأيها بالترخيص المطلوب، كما أن المرسوم الرقم 8018/2002 يمنع إنشاء هذا النوع من المؤسسات إلا في حال ابتعادها 1000 متر عن التجمع السكني».
قارب عمر هذه القضية عقداً من الزمن، إذ تلفت قراءة الملف إلى أن محافظ جبل لبنان «قد منح في 11 حزيران 2001، ثم في 12 كانون الأول 2001 مهلة إدارية للشركة المشكو منها لمدة ثلاثة أشهر كي يتسنى لها نقل المؤسسة إلى مكان يسمح باستثمارها»، لكن هذه المهلة لم تحترم رغم أنها «أعطيت بناءً على تعهّد الشركة لدى الكاتب العدل بنقل مركزها إلى مكان آخر رقم 1859/2001، شرط أن تحدد ساعات العمل من السابعة صباحاً وحتى السادسة عصراً» وفق ما جاء في شكوى مرفوعة إلى وزير الصناعة في 28/12/2009. أعمال الشركة ما زالت قائمة بعد نحو تسع سنوات على قرار المحافظ، وقد كان مركز عمل الشركة حينها يقتصر على العقار 40/ جورة البلوط. لم تنقل الشركة عملها بل توسعت ــــ حسب ملف المدعين عليها ــــ «ليصبح واقعاً أيضاً على العقار 42/ جورة البلوط».
من جهة ثانية، يذكر المشتكون أنه في القانون «على الشركة قبل أن تستحصل على ترخيص قانوني من السلطات المختصة، وتبقى فعاليته مرتبطة بعدم التعرّض لحقوق الغير (عملاً بالمرسوم الاشتراعي الرقم 21/1932)... إلا أنه في حالتنا باشرت الشركة أعمالها «بترخيص استثنائي مؤقت» من وزير الصناعة رقم 134/ ت تاريخ 17/4/2003»، ولكن المؤقت استمر سنوات، ولم تنته هذه الأعمال.
بعض المشاركين في الدعوى وسكان من المنطقة يشتكون من الإزعاج المتواصل، ردد بعضهم أن «آليات الشركة تمر في الطرق الملاصقة أو القريبة من بيوتهم حتى ساعات متأخرة من الليل، يشكون من الإزعاج الذي تسببه هذه الآليات ومن أصواتها المرتفعة، يشكون أيضاً من الأضرار التي تلحقها بالطرق، من التلوث، وما يمكن أن ينتج من ذلك من أمراض، بعضها يُداوى، والبعض الآخر مزمن».
ملف المشتكين يرى أن «وزارتي الصحة والبيئة خالفتا عملية منح الترخيص الاستثنائي (الرقم 134/ت) وكذلك لجنة الترخيص في وزارة الصناعة»، وذلك بسبب الأضرار البيئية والصحية التي يسببها المشروع، وفي هذا الإطار، يلفت ملف المدعين إلى استحصالهم «على المستندات المثبتة من وزارة الصناعة بقرار قضائي صادر عن حضرة القاضي المنفرد الجزائي في المتن»، ويضيف الملف «أجمعت لجنة الترخيص في وزارة الصناعة على عدم الموافقة على الترخيص لأن نظام المنطقة لا يسمح بإقامة المؤسسات الصناعية».

المعترضون يشكون الملوثات الهوائية، والنفايات السائلة والصلبة الناتجة من المشروع
يتحدث عن هذه القضية المحامي جورج آصاف، وكيل المجموعة المتقدمة بالشكوى وأحد أفرادها، يروي معاناة يعيشها هو وجيرانه منذ نحو عقد، فمعمل الجبالاات الذي رُخص له بالعمل لثلاثة شهور فقط، لم يتوقف «الشهور صارت سنوات، والمضار تتراكم وتتفاقم»، يستغرب آصاف مواقف وزراء من هذا الملف، «فتُجدد الرخصة رغم تقارير خبراء رسميين يعلنون مضار هذا الاستثمار»، ويتوقف في هذا الإطار عند لجنة أُلفت في وزارة البيئة للنظر في هذا الموضوع، ونقرأ في ملف القضية أن الجهة المعترضة «تقدمت بشكوى لوزارة البيئة بشأن الأضرار الناتجة من استثمار المصنع المشكو منه بتاريخ 17/7/2008 سجّلت تحت الرقم 80، وصدر بنتيجتها تقرير أوضح مخالفات الجهة المشكو منها، علماً بأن تقريراً سابقاً صدر من متضرر آخر... وذلك عام 2006». الشكاوى إلى وزارة البيئة لم تتوقف، في ملف القضية شكاوى إلى وزير البيئة بداية العام الجاري، إضافة إلى شكاوى إلى وزارات أخرى منها وزارة الصناعة.
«الأخبار» اتصلت بالمحامي رفيق، وكيل الشركة المشكو منها، فقال إن الشركة تعمل على هذا المشروع وفق تراخيص رسمية، وأضاف «لتفصل المحكمة في هذا الشأن»، مضيفاً أن خبراء من وزارات معنية أجروا كشفاً على المشروع وطالبوا بتغييرات «فأجريناها، ونحن استوفينا الشروط التي طلبتها وزارتا البيئة والصحة»، ولما سألناه عن الإزعاج الذي يشكو منه السكان، اعتبر الإزعاج أمراً فضفاضاً لا يمكن توصيفه.


خبراء البيئة يستغربون

يلفت المحامي جورج آصاف إلى أن قضية شكاوى إزعاج البيئة والإضرار بها ستتابع أمام القاضي المنفرد الجزائي، ويستغرب عدم إرسال وزير البيئة إنذاراً إلى القائمين على المشروع المشكو منه.
من جهة ثانية، يستغرب خبراء بيئيون «خطوة تمديد التراخيص لهذا المشروع»، في كلام لـ«الأخبار» قالوا إن بعض الأضرار الناتجة من هذه المشروع يمكن الحد منها بإجبار القائمين عليه مراعاة الشروط البيئية، لكنّ ثمة أضراراً أخرى لا يمكن رفعها، وهي مرتبطة بالإزعاج، وبالملوثات الهوائية الناتجة من مرور الشاحنات، وخاصة ما تسببه من أضرار على أشجار الصنوبر، ومن تكسير للطرق، وهي غير مجهزة لاستيعاب حركة الشاحنات.
ذكّر الخبراء بأن تعرّض السكان للمشتقات النفطية وللغبار الكثيف، الناتج من المشروع، يعرضهم لأمراض مزمنة ومنها الربو. ومن هنا تأكيدهم على ضرورة نقل نشاط الشركة من المنطقة التي تعمل فيها حالياً، وسأل بعضهم «أين تُرمى بقايا الباطون؟ وكيف جدد المحافظ الرخصة للمشروع؟».