شهد سجن القبة تمرداً للمرة الثانية خلال أقل من عامين. تمكن المحتجون من احتجاز عناصر أمن للضغط ونيل مطالبهم. استمر التمرّد ست ساعات، وانتهى بالاستجابة لمطالب المتمردين، ما يثير مخاوف من فتح الباب واسعاً أمام تمرّدات أخرى
رضوان مرتضى، عبد الكافي الصمد
ستّ ساعات تقريباً هي المدّة التي استغرقتها عملية التفاوض في سجن القبة في طرابلس أمس. الساعات الست انتهت لتنتهي معها عملية تمرد قادتها مجموعة من السجناء، أملاً بتحقيق مطالب رأوا أنها محقة، فاحتجزوا سبعة أشخاص، من بينهم خمسة عناصر من قوى الأمن الداخلي، وهددوا بذبحهم إن لم يُستجب للمطالب المنشودة. انتهى التمرّد بتنفيذ اتفاق مسبق بين السجناء والقوى الأمنية على تنفيذ مجموعة من المطالب. تركوا الرهائن وسلّموا أنفسهم ليتبين أنه لم يُصَب أحد بمكروه، ما خلا العنصر (ناصر المصري) الذي أصيب برضوض وكدمات نتيجة تعرضه للضرب، فضلاً عن إصابة أحد السجناء ويدعى م. ديب بجروح خلال تنفيذ عملية احتجاز العناصر.
الروايات التي سيقت عن عملية التمرّد متعددة، أجمعت في معظمها على تمكن المتمردين الذين يقودهم عادل غ.، وهو أحد قادة التمرد السابق، بالتنسيق مع مساجين آخرين قُدّر عددهم بين 20ـــــ30 سجيناً، من احتجاز عنصرين من قوى الأمن الداخلي داخل غرفتهم الواقعة في الطابق الأرضي من السجن، بالإضافة إلى 3 عناصر آخرين كانوا في الردهة الخارجية للغرفة، فضلاً عن موظف يعمل على آلة الكوميت وعامل تنظيفات. السجناء المتمردون أجبروا العناصر على الدخول عنوة إلى الغرفة، مستخدمين سكاكين وآلات حادة كانت بحوزتهم، قبل أن يقوموا بترهيب عناصر قوى الأمن الداخلي لمنعهم من الاقتراب منهم واقتحام غرفتهم.
أما العناصر الأمنيين المحتجزين لدى المتمردين، فعُرف منهم: رياض الحاج، سمير طالب، ناصر المصري، وليد الخطيب وثائر جرجي. أما الموظف على آلة الكوميت، فهو وليد نصر الله.
إذاً، لقد بدأت عملية التمرّد منذ قرابة الساعة العاشرة من صباح أمس، بعدما تمكن المتمردون من وضع سكاكين على رقبة عنصرين عند مدخل الغرفة، متوعدين بقتلهما إذا عمدت القوى الأمنية إلى استخدام القوة معهم.
عملية التمرد هذه في سجن القبة أثارت خضة كبيرة داخل السجن وخارجه، فعمدت القوى الأمنية إلى منع الجميع من الدخول إلى حرم السجن، وأُغلق الشارع الرئيسي في المنطقة أمام حركة السير، امتداداً من مفترق كلية العلوم التابعة للجامعة اللبنانية في طرابلس، وصولاً حتى مفترق كلية الآداب.
الاحتياطات الأمنية التي استلزمت استدعاء قوة أمنية من فرقة مكافحة الشغب، للاستعانة بها عند الضرورة، رافقتها احتياطات من نوع آخر، إذ وصل إلى حرم السجن سيارتا إطفاء تابعتان للدفاع المدني، تحسباً لإشعال السجناء المتمردين حريقاً داخل السجن كما فعلوا في المرة السابقة، وهو الأمر الذي لم يحصل هذه المرة، فضلاً عن وصول 4 سيارات إسعاف على التوالي، إحداها تحمل شعار الجمعية الطبية الإسلامية التابعة للجماعة الإسلامية.
بهدف احتواء حالة التمرد التي قام بها سجناء، معظمهم صادر بحقهم أحكام جنائية، حسب ما أوضح مصدر أمني لـ«الأخبار»، وصل إلى السجن تباعاً كل من آمر سرية درك طرابلس العميد بسام الأيوبي، قائد منطقة الشمال الإقليمية في قوى الأمن الداخلي العميد علي خليفة، قاضي التحقيق توفيق جريج والنائب العام الاستئنافي في الشمال القاضي عمر حمزة، الذين أجروا جولات تفاوض عديدة مع المتمردين، كانت تصطدم بطلبات عدة في البداية، أبرزها رفضهم التفاوض مع مسؤولين أمنيين، وطلبوا بدلاً من ذلك التفاوض مع الرئيس نجيب ميقاتي ووزير الداخلية زياد بارود. وعندما أُخبروا أن ذلك غير ممكن، اقتُرح عليهم التفاوض مع المدعي العام للتمييز، القاضي سعيد ميرزا، فرد المتمردون: «هيدا شخص متهم من حزب الله، يروح يخلص حالو كيف بدوا يخلصنا، ما بنقبل!».
تعنّت المتمردين الذي ترافق مع خروج القاضي حمزة قرابة الثانية والنصف من السجن، أعطى إشارة إلى تأزم الوضع وانسداد أبواب الحلول، بالتزامن مع استقدام القوى الأمنية حفارة «جاكهامر» وجرافة، في دلالة على اتخاذ القوى الأمنية احتياطاتها لاقتحام السجن وإنهاء التمرد إذا تعثرت المفاوضات.
حالة التمرد والإجراءات الأمنية داخل السجن وخارجه، تواكبت مع تجمّع عشرات الفضوليين في محيط السجن حيث تنتشر مقاهي الرصيف بجوار كليات الجامعة اللبنانية ومعهد طرابلس التقني، فضلاً عن مجيء العشرات من أهالي السجناء لتفقد أحوال ذويهم، لمعرفة إن كانوا مشاركين في التمرد أو لا، بعدما انتشرت شائعات عن أن هناك جرحى وقتلى داخل السجن، ما أدى إلى حصول احتكاكات وتلاسن بين القوى الأمنية والأهالي، الذين عبّر بعضهم عن استيائهم الشديد مما يحصل.

تعنّت المتمردين الذي ترافق مع خروج القاضي حمزة من السجن، أعطى إشارة إلى تأزم الوضع

وسط هذه الأجواء، بعد الساعة الثالثة من ظهر أمس، لاحت بوادر حلحلة، بعدما كشف مصدر أمني لـ«الأخبار» أن «السلطات تجاوبت مع طلبات المتمردين، وأبرزها نقل بعضهم (نحو 15 سجيناً) إلى سجن رومية (بعضهم لم يمض على نقله من سجن رومية أكثر من شهر ونصف)، وتحسين ظروف السجن، وتسريع محاكمة البعض منهم، وأن يشملهم القانون الرقم 108 من أصول المحاكمات الجزائية، إضافة إلى عدم التعرض لهم على تمردهم الأخير، وخصوصاً أن بعضهم كان سيخرج من السجن بعد أيام قليلة بعدما أنهى فيه فترة عقوبته».
إشارة التجاوب مع مطالب السجناء المتمردين برزت قرابة الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر أمس، عندما دخلت عربة لنقل المساجين إلى باحة السجن، لكنها ما لبثت أن خرجت بعد دقائق وهي فارغة، ما أثار المخاوف من إمكان تعثر المفاوضات مع المتمردين، وأن تستمر لليوم التالي كما حصل في المرة السابقة، عندما أصيب السجناء حينها بالإرهاق ورضخوا للضغوط التي تعرضوا لها. لكن تبين أن هناك عربة نقل أخرى للمساجين داخل حرم السجن استُعين بها في نقل 15 سجيناً إلى سجن رومية. كذلك جرى اتفاق التسوية مع المتمردين قبل نقل الدركي ناصر المصري إلى مستشفى طرابلس الحكومي للمعالجة، إيذاناً بانتهاء حالة التمرد، وعودة الأوضاع داخل سجن القبة إلى طبيعته.
التمرد الثاني يسلط الضوء مجدداً على أوضاع السجون في لبنان، ويدق جرس الإنذار، معلناً ضرورة بدء معالجة جذرية لمشكلة السجون بدل مداواتها بالمسكّنات.


مطالب برسم وزير الداخلية

اتّصل السجناء الذين نفّذوا التمرّد بـ«الأخبار» من الرقم (394962/06)، شاكين تظلّماً بحقّهم وبحق ذويهم. فتحدّثوا عن قصر مدة المواجهة (عشر دقائق) مع أهاليهم الذين يقطعون الطريق من بعلبك إلى طرابلس لرؤيتهم. وتساءل هؤلاء عن سبب رميهم في طرابلس، من دون الأخذ في الاعتبار المشقّة التي يتكبّدها ذووهم لزيارتهم. كذلك تحدّثوا عن سوء معاملة القوى الأمنية لهم، بالإضافة إلى بعض التحرّشات التي تتعرّض لها زوجاتهم. وتحدّثوا كذلك عن ملفّات عدلية مقفلة دون وجه حق، لافتين إلى أن أحد السجناء من آل الضنّاوي انتهت مدّة محكوميته، لكنه لا يزال موقوفاً في السجن.
لقد اتّصل السجناء بـ«الأخبار»، طالبين نقل مطالبهم إلى وزير الداخلية زياد بارود. أرادوا أن يُنقلوا إلى سجن رومية؛ لأنه أقرب إلى مكان سكنهم، لكنهم حذّروا من وضعم داخل جناح (و) المعروف بـ«غوانتانامو»، وطالبوا بتحسين أوضاع كافة السجناء داخل السجن لأنهم «بشر وليسوا حيوانات».
يذكر أن السجناء الذين قادوا التمرّد هم: إبراهيم ع.، عادل غ.، عبدو ل.، محمود ع.، باسم أ.، معين ط.، صالح ش.، سمير ز. وإبراهيم ح.