سعيد خطيبي
أينما تحلّ الشابة الزهوانية، فإن الفرجة مضمونة. تتجاوز العقد الخامس وتحتفظ دوماً بوهج العشرينيات. كتومة، لا تحب الصّحافة وكاميرات التلفزيون. يتذكر كثيرون قصتها مع «أم. بي. سي». يومها، تقدّم منها مراسل المحطة طالباً إجراء مقابلة، فرفضت مجيبة: «لا أعرف الحديث. ابحث عن مغنّ آخر». إجابة فهمها الصحافي حينها تكبّراً، لكنّ صاحبة «سامحني يا الزين» ترى أنّ مكانها هو على منصة الغناء فقط.
خجل كان يسيطر على الشابة الزهوانية، حين التقيناها خلال اختتام سهرات الكازيف الصيفية في الجزائر العاصمة. هي التي لا تتعب من تكرار عبارة: «الحمد لله. وفّقني ربي. والنّاس الذين يحبونني يعرفون أنّني صادقة مع نفسي». تتذكر فقط أولئك الذين يحبونها وتتجنب التفاعل مع الشريحة الواسعة، وخصوصاً الجماعات والتنظيمات الدينية المحافظة التي تحاول إلغاءها بوصفها رمزاً من رموز «الفسق والرذيلة» في الجزائر، بحسب ما جاء على لسان أحد الناشطين في «حركة مجتمع السلم»، مع العلم بأن كثيراً من المنتسبين إلى الحركة نفسها يواصلون تشويه صورتها، رغم كونها تحمل صفة «الحاجة». ففي ربيع 2005، أتمت الشابة الزهوانية الرّكن الخامس من الإسلام وأدّت فريضة الحج. وهي واقعة أثارت لغطاً وبلبلة وجدلاً. حينها، تساءل بعضهم: كيف تسمح مغنية راي ونجمة كباريهات لنفسها بالوقوف على البقاع المقدسة والطواف حول الكعبة؟ تردّ: «الحمد لله. وفّقني الله، وزرت بيت الله وأديت الحج، ولم أكن لأرفض هبة رئيس الجمهورية». سافرت الزهوانية إلى البقاع المقدسة على كلفة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي أرسلها ضمن وفد ضمّ كتّاباً وفنانين وصّحافيين مقرّبين من السلطة، على غرار الروائي أمين الزاوي، والممثلة دليلة حليلو، والصحافي سعد بوعقبة. ورفض هبة الرئيس روائيّان اثنان فقط هما الراحل الطاهر وطار ورشيد بوجدرة المتمسّكان، الأول برفض احتواء السلطة، والثاني بالخيار العلماني. تكتفي الزهوانية بعبارة واحدة بغية الردّ على حملة التجريح التي تمسّ شخصها: «أنا مسلمة!».
لمّا عادت من البقاع المقدسة، اعتقد بعضهم أنّها ستسير وفق موضة انتهجتها مغنيات مطلع الألفية الجديدة، وتتمثل في طرق باب «التوبة» ولبس الحجاب، كما فعلت قبلها المغنية والممثلة أسماء جرمون، والشاب جلول الذي حقق أعلى مبيعات ألبومات الراي في صيفي 2004 و2005، قبل أن يعلن الاعتزال والانسحاب إلى الأناشيد الدينية (2007). لكن الشابة الزهوانية (اسمها الحقيقي حليمة مازي) أبانت عن شخصية صلبة، وتذكّر: «كل واحد حرّ في خياراته»، وتضيف «لست مسؤولة عن ميول الآخرين وأفكارهم»، مشيرة في آن إلى عدم توافقها مع ما ذهبت إليه زميلتها الشابة خيرة التي ارتدت الحجاب قبل سنتين تحت تأثير ظرف معين، قبل أن تنزعه وتعود إلى منصات سهرات وهران الحالمة.
تعود بدايات الزهوانية إلى مطلع الثمانينيات ضمن فرق المدّاحات اللواتي رافقن أولى خطواتها في عالم الفن، وتعدّهن «مدرسة ننهل منها مبادئ الموسيقى». تميّزت بنظارتها الطبية، وبصوتها القوي وقدرتها على إعادة تأدية الأغاني المستوحاة من التراث، مثل «لالة تركية» وهي أغنية يحمل نصها بعداً صوفياً.
تنقّلت الصغيرة الزهوانية في الكثير من أحياء وهران، وشاركت في إحياء الأعراس والحفلات. وجاءت القفزة الحقيقية مع أغنية «البراكة» (1985) التي أدتها مع الشاب حسني (1968 ـــــ 1994). تُعدّ الأغنية من أكثر الأغاني الإيروتيكية في مسيرة أغنية الراي، وهي تحكي لقاءً حالماً بين عاشقين يمارسان طقوسهما، ويتغنيّان بالخمر والجنس بكلّ حرية. وهي أغنية أعادت أداءها مع الشاب خالد (1992)، مع تهذيب النّص الأصلي، وحذف بعض العبارات الماجنة. لاقت الأغنية نجاحاً شعبياً، ومنعاً رسمياً. وبعد سنة، أدّت الزهوانية أغنية «خالي يا خالي» (1986) مع الشاب حميد. فتحوّلت في وقت قصير ـــــ بالنظر إلى جرأتها على طرق المحظور ـــــ إلى ظاهرة ومحطّ اهتمام كبريات شركات الإنتاج مثل «ديسكو مغرب»، و«سان كريبان» و«ريزونونس».
جاء لقب الزهوانية تيمّناً بمغنّي راي معروف، حقّق حضوراً مهماً، مطلع الثمانينيات، يدعى الشاب الزهواني. لكنّ شهرتها تجاوزت الزهواني، بالنظر إلى قدرتها على جذب الانتباه وإثارة الأحاسيس في الحفلات، بحركاتها المستفزّة على المنصة، ما عرّضها لوابل من الانتقادات والشتائم والتهديدات التي بلغت أوجها مطلع التسعينيات مع وقوع البلد تحت هيمنة الخطابات الدينية المتطرفة. هكذا اضطرّت إلى الفرار نحو فرنسا حيث واصلت عملها الموسيقي، وتلقّت نبأ اغتيال الشاب حسني الذي تقول عنه: «هو بمثابة الأخ. لا أصدّق حتى اليوم أنه رحل بتلك الطريقة التراجيدية». وكان الشاب حسني قد اغتيل في وضح النهار، أمام بيته في شارع ڤمبيطة الشعبي في وهران عام 1994.
عادت صاحبة «ما زلت في القلب» عام 1999 إلى أرض الوطن، تزامناً مع وصول بوتفليقة إلى سدّة الحكم، وتعرّضت لاتهامات بالترويج للرئيس والمشاركة في حملاته الانتخابية في الخارج. تجيب بنبرة غاضبة: «لست أعرف سبب تدخل بعضهم في أموري الشخصية. من يعرف إذا كنت أذهب أصلاً إلى صندوق الاقتراع؟».
رافقت الشابة الزهوانية بدايات الراي، ونالت شرف الغناء إلى جانب أشهر الأسماء، من الشاب خالد والشاب حسني والشاب حميد والشاب عبدو إلى الشاب محمد لمين. يعدّها المراقبون إحدى المؤسسات الحقيقيات للراي مع الشابة فضيلة، والأكثر حضوراً، ما منحها شعبيةً وشهرةً دفعت شركة «جازي» (فرع أوراسكوم المصرية) أخيراً إلى الاستعانة بها في إعلان سعى إلى إعادة المياه إلى مجاريها عقب أحداث أم درمان (2009) وتشنّج العلاقات بين الجزائر ومصر. تقول «أرجو فقط أن يوفّقني الله وأكمل مسيرتي مع الموسيقى وحبّ الناس». وتختتم الزهوانية حديثها معلنةً أنّها تنتظر صدور الطبعة الرابعة من ألبوم Rai'n'b Fever مع الـ«دي جاي» الجزائري المغترب فريد كور، بعدما سجلت السنة الماضية حضورها في ألبوم «مغرب متحد» مع مغني الراب الجزائري «ريمكا».


5 تواريخ

1959
الولادة في وهران

1985
دويتو «البراكة» مع (الراحل) الشاب حسني

1986
أغنية «يا خالي» مع الشاب حميد

2000
ألبوم «سامحني يا الزين»

2010
المشاركة في الطبعة الرابعة من ألبوم Rai'n'b Fever