المغتربون اللبنانيون منقسمون. الخبر ليس بجديد. الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم التي أُسست في عهد الرئيس الراحل فؤاد شهاب لتكون اتحاداً عالمياً يجمع النوادي والجمعيات الاغترابية اللبنانية حول العالم، أصبحت في عهد الرئيس ميشال سليمان ثلاث جامعات
بسام القنطار
بدلاً من المتوخّى منها، يبدو أن مبادرة الرئيس ميشال سليمان لتوحيد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، أدّت إلى انقسام جديد في جسم اغترابي، لا شيء يمنع حدوث انقسامات جديدة فيه تحت مسمّيات مختلفة.
فبعد عامين من تولّي لجنة كلّفها رئيس الجمهورية العمل على توحيد الجامعة المشرذمة، فشلت هذه اللجنة في مهمتها، فطلبت وزارة الخارجية والمغتربين من الجناح المدعوم منها، تأجيل الانتخابات، للمرة... الرابعة على التوالي، بعدما كانت مقررة في 17 أيلول الحالي.
على هامش التأجيل، ألّّفت مجموعةٌ من أعضاء الجامعة تمثل فروعاً ومجالس وطنية عدة، لجنة متابعة، برئاسة مسعد حجل، وهو قومي سوري، وكان من أبرز المرشحين لتولّي رئاسة الجامعة. أما اللجنة فـ«مهمتها السعي إلى توحيد الجامعة ضمن مؤسسة واحدة جامعة لكل العناصر والفئات»، حسب بيانها، وأعلنت المجموعة أنها «إذ تحترم قرار التأجيل، ستجهد خلال المدة الزمنية الفاصلة عن الموعد اللاحق للمؤتمر المؤجّل، من أجل ضمان فرص نجاحه».
لكنّ قرار التأجيل أثار انقساماً حاداً عبّر عنه الفريق نفسه الذي اعترض على التأجيل، وذلك في الجلسة التي عقدت في قصر الأونيسكو في آذار الماضي. وأركان هذا الفريق مجموعة من المغتربين من الولايات المتحدة الأميركية برئاسة عاطف عيد، إضافة إلى الرئيس السابق للمجلس القاري الأفريقي عباس فواز. ولقد اتفق هؤلاء على انتخاب المغترب اللبناني ألبير متّى المقيم في الإمارات رئيساً للجامعة، وانتخاب عيد أميناً عاماً. متّى أكد لـ«الأخبار» أن أعضاء الجامعة من مختلف القارات والبلدان حضروا إلى قصر الأونيسكو في 17 أيلول، فوجدوا الأبواب مغلقة، وأن المؤتمر أُجّل، كالعادة، بناءً على طلب من وزارة الخارجية. وأضاف: «إزاء هذا القرار غير الشرعي الذي يمهد لإلغاء الجامعة وتشتّتها، قررنا أن نعقد المؤتمر بمن حضر في 18 أيلول في فندق فينيسيا في بيروت، ولقد تجاوز الحضور 30 مشاركاً يمثّلون عدداً كبيراً من الفروع والمجالس».
جناح الشدراوي بادر إلى تغيير موقفه بعد أن علم بخطوة انتخاب ألبير متّى
وبذلك تكون الجامعة قد أصبحت بثلاثة رؤوس: أحمد ناصر، عيد الشدراوي وألبير متّى. وكان الرئيس ميشال سليمان قد أعلن مراراً أنه لن يستقبل في قصر بعبدا إلا وفداً موحّداً يمثّل الجامعة الثقافية، ولقد ألّف لهذه الغاية لجنة من السفيرين بهجت لحود ولطيف أبو الحسن والمدير العام للمغتربين هيثم جمعة، وعملت هذه اللجنة على مدى عامين لعقد مؤتمر موحّد وانتخابات توافقية، إلا أن محاولاتها لم تتكلل بالنجاح. لا بل إن إصرار وزارة الخارجية على تأجيل الانتخابات تحت شعار الحرص على مبادرة رئيس الجمهورية لتوحيد الشطرين المنقسمين أفضت في النهاية إلى انشطار إضافي برئاسة متّى. كذلك فإن حضور مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الفرنكوفونية، خليل ‏كرم، حفل العشاء الذي أقامه جناح الشدراوي في دارته في حدث الجبة قبل شهرين، أعطى إشارة واضحة إلى أن الرئيس، رغم حرصه على الوحدة، يتعاطى بإيجابية مع مختلف الأطراف.
ورداً على سؤال عن مدى تأثير هذه الخطوة على مساعي رئيس الجمهورية لتوحيد الجامعة، ردّ محامي المجلس القاري الأميركي فرانسوا علم، الذي أدى دوراً محورياً في حصول الانتخابات في فينيسيا، بأن «الفريق الآخر يجري انتخاباته بانتظام، وينتخب رئيسه وينشط في مختلف المجالات ويزور المسؤولين، ولا أحد يقول له احترم مساعي رئيس الجمهورية، فيما نحن الجامعة الشرعية المنتخبة والمعترف بها يُطلب منا أن نؤجل انتخاباتنا، لدرجة أصبحت فيها الأمور لا تطاق، وبتنا أمام واقع مأساوي، فإما أن نجدد جسمنا القيادي ديموقراطياً، وإما ستنهار الجامعة».
وأكد علم أن وفداً من الجامعة زار البطريرك الماروني بطرس صفير «لأخذ بركة غبطته، كما زرنا قائد الجيش وتبرّعنا بمبلغ مليون دولار لدعم تسليح الجيش، سُلّم نصفه بموجب شيك، على أن يسلّم الباقي في غضون ستة أشهر، كذلك باشرنا الإعداد لبناء قصر الاغتراب اللبناني في منطقة بعبدا».
في المقابل، أعلن مكتب لبنان في جناح الجامعة الثقافية الذي يرأسه الشدرواي، والذي ينشط بدعم واضح من فريق 14 آذار، أن اللجنة الرسمية المكلفة ‏بمبادرة من رئيس الجمهورية لم تتوصل بعد إلى اتفاق لعقد مؤتمر توحيدي للجامعة، وأن الدعوة إلى مؤتمر في 17 أيلول تحصل بغياب فريق كبير من ممثلي الجامعة». وأضاف البيان: «إن الرئيس الشدراوي، فور انتخابه في المكسيك في تشرين الأول ‏الماضي، وبُغية متابعة الحوار لتوحيد الجامعة، وضَعَ استقالته في تصرّف رئيس الجمهورية ‏العماد ميشال سليمان إذا اتُّفق على عقد مؤتمر توافقي توحيدي للجامعة.‏ وكنا نتمنى لو أن هذه الدعوة جاءت تتويجاً للاجتماعات التي حصلت مع اللجنة المكلفة، و‏عُقد المؤتمر برعاية رئيس الجمهورية الذي دعا إلى توحيد الجامعة ‏مرات عدة، وآخرها خلال زيارته إلى البرازيل، وبذلك كنّا عددنا هذا المؤتمر بالفعل ‏مؤتمراً توحيدياً». ‏
وفي معلومات لـ«الأخبار»، فإن جناح الشدراوي بعد أن علم بخطوة انتخاب متّى، بادر إلى تغيير موقفه، فأجرى الشدراوي اتصالا بمتّى مهنئاً، وأدى الرئيس السابق إيلي حاكمة دوراً محورياً على خط إقناع متّى بالترشّح، وذلك في خطوة تهدف إلى «التخلص من أحمد ناصر بأي ثمن».
بدوره، أكد الرئيس العالمي أحمد ناصر أن الجامعة كانت مرة جديدة أمام خيار التأجيل بعدما فشلت مساعي انعقاد مؤتمر موحّد مع الجناح الثاني في الجامعة الذي يرأسه على نحو غير شرعي عيد الشدراوي، لذلك قررنا ألا نعقد المؤتمر خلافاً لتوجهات رئيس الجمهورية، وبعدما تسلّمنا رسالة من وزارة الخارجية والمغتربين، تطلب منا ذلك، وخصوصاً أن إجراء الانتخابات بهذه الطريقة كان سيسبّب انقساماً قد يؤدي في النهاية إلى إلغاء الجامعة».
وعن انتخاب ألبير متّى في فندق فينيسيا، لفت ناصر إلى أن هذا الإجراء غير شرعي. وأضاف: «يتحدثون عن محضر انتخابي موقّع من 40 مشاركاً، فأين هو هذا المحضر؟ وما هي الصفة التمثيلية لهؤلاء؟».
وأضاف ناصر: «أنا غير متمسّك بالرئاسة، ومن ضمن المهمات التي أتولاها، بل في مقدمتها، الإعداد للمؤتمر 14 الذي سنحدد تاريخ عقده بعد مشاورات خلال الأسبايع المقبلة». وختم ناصر: «إن الجامعة، من خلال استجابتها للطلب الرسمي، قد سلّفت وزارة الخارجية، عن اقتناع، موقفاً عبّرت من خلاله عن إيمانها بالعمل الوحدوي، وهي تنتظر الآن من وزير الخارجية، ومن خلاله سائر أركان الدولة، البحث عن مخارج لأزمة تعاني منها مجموعة سياسية تعمل في الاغتراب وتبحث عن دور تحت لافتة الاغتراب. كذلك فإن الدولة يجب أن تكون حاسمة تجاه كل منتحل صفة تمثيل الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم تحت مسمّيات مختلفة».


المبعدون من الإمارات يستغربون

يستغرب رئيس لجنة المبعدين اللبنانيين من الإمارات، حسان عليان، كيف يمكن المغتربين أن ينتخبوا ألبير متّى رئيساً لهم. فالأخير وفق رواية عليان، كان له موقف سلبي جداً من المبعدين، حين أعلن في تصريح موثّق أنهم ارتكبوا مخالفات وأن الدولة الإماراتية محقّة في قرار ترحيلهم.
عليان أكد لـ«الأخبار» أن الجامعة تستحق أن يكون على رأسها مغترب يجمع الكلمة وينتصر للمغتربين، وخصوصاً الذين يتعرضون للاعتداءات والإجراءات الظالمة.
ويشير عليان إلى أن الجديد في قضية المبعدين هو المزيد من الإبعاد، حيث أُبلغ وصول مبعدين جدد قبل أسابيع، إضافة إلى استمرار سياسة الترغيب والترهيب وحجز جوازات السفر لفترات طويلة، ورفض تجديد العقود والإقامات. وفي رأيه فإن جميع هذه الإجراءات تؤكد أن الإمارات ماضية في سياستها، وأن المبادرات التي أطلقها عدد من المسؤولين اللبنانيين كان مصيرها الفشل. وختم عليان: «لقد استجبنا سابقاً لرغبات التهدئة ولم ننفذ الاعتصام الدائم الذي كان مقرراً أمام السفارة الإماراتية في بيروت، لكن ذلك لا يعني أن صوتنا خفت».