من والده المهندس المعماري، تشرّب عشق السيارات. ارتبط اسمه منذ الثمانينيات بسباقات السرعة، وبقي في ذهن الكثيرين بطلها اللبناني الوحيد. السائق الشغوف برياضته، لم يتقاعد، رغم ابتعاده عن الحلبة. ها هو يطمح لتشكيل فريق محترف جديد...
زينب مرعي
لا يدخل حلبة سباق إلّا ليفوز. هكذا هو جان بيار نصر الله، يحبّ أن يتحدّى نفسه... ويحبّ الفوز أيضاً. ربما كان دفق الأدرينالين في الشرايين بفعل قيادة السيارات، كما يقول، هو الذي يعطيه كل هذه الثقة. أمّا الفوز ورفع الكأس، فشعور آخر. «على الإنسان أن يجرّبه ليعرفه» يقول جان بيار نصر الله الذي تُوّج مراراً بطل لبنان لسباق السرعة والرالي.
يحقّ لجان بيار نصر الله الافتخار، إن كان هذا كل ما تعطيه الرياضة لمحترفها في لبنان. تنفرج أسارير الرجل الهادئ عندما يقول إنّه ما زال حتى اليوم يحتفظ بلقب أصغر بطل لسباق السرعة في لبنان. عرف طعم الفوز منذ أول سباق سرعة خاضه عام 1985. «فكّرت حينها أنه مجرّد حظ». لكنه ما لبث أن أثبت لنفسه وللآخرين شغفه وموهبته، حين حافظ على اللّقب في السنتين التاليتين. كانت تلك أول ثلاثية له في 1985 و1986 و1987. لا شك في أنّ جو العائلة أدى دوراًً في تحوّله إلى بطل سباقات بهذه السرعة. نصر الله لم يكتشف السيارات مصادفةً، بل تسرّبت إليه ببطء من عشق والده لها. الوالد مهندس معماري، يهوى سباقات السرعة. شارك في بعضها، لكنّ الموضوع لم يتجاوز لديه عتبة الهواية. على عكس نصر الله الابن الذي درس أيضاً الهندسة الداخليّة، فتحوّلت لديه إلى هواية يفيد بها الأصدقاء، بينما قرر أن يصبّ تركيزه كلّه على احتراف قيادة سيارات الرالي.
ومن أجل ذلك، ارتاد مدرستي Bernard Darniche Dreux وIsola 2000 الباريسيتين عام 1984، كما Bill Gwynne rally school في بريطانيا عام 1996. مع ذلك، يرى نصر الله أنّ «الولد سرّ أبيه». إنّهما في النهاية يتشاركان الاهتمامات ذاتها، ولو أنّها قادتهما إلى حيوات مختلفة. بين بيروت وباريس، مدينة والدته، قضى طفولته. لم يجعل حالة عدم الاستقرار هذه تؤثّر فيه: فالجميع في بيروت كان يعيش ضياعاً أيام الحرب الأهليّة. لكنه لم يفكّر في الاستقرار نهائياً في مدينة الأنوار كما فعلت أختاه، أو احتراف الرالي هناك بما أنّه يبقى «في عيون الفرنسيين لبنانياً، وفي عيون اللبنانيين نصف فرنسي». انعزل في باريس خلال السنوات الأخيرة من الحرب أي من 1988 إلى 1992. وخلال هذه الفترة، دخل مجال الأعمال مع والده، وساعده في شركته العقاريّة. عاد بعدها إلى بيروت متشوقاً إلى حلبة السباق. فكان أن حقّق ثلاثيته الثانية. هكذا، خطف لقب بطولة لبنان لسباق السرعة في الأعوام 1993 ـــــ 1994 ــــــ 1995، إلى جانب تتويجه بطلاً للبنان في الرالي في 1994 و1995، وانتزاعه المركز الأول في «رالي لبنان الدولي» عام 1995. كانت تلك فترته الذهبية بحقّ، حين كان كل شيء «ممتازاً وعلى درجة عالية من الاحتراف»، حسب قوله.
في عامي 1997 و2002، عاد وحصد المركز الأول في «رالي لبنان الدولي»، إلى جانب لقب بطل سباق تحدّي الشرق الأوسط في 1997، قبل أن يتوقف عن خوض السباقات عام 2004... حتى إشعار آخر. ما ينتظره نصر الله هو فرصة تكوين فريق محترف من جديد. لكن رياضة الرالي ليست الأكثر جاذبية اليوم للمموّلين بحسب ما يقول. «في التسعينيات، كان الإعلام مهتماً بنقل سباقات الرالي أكثر من اليوم. بعدها كانت موضة كرة السلّة، واليوم جاء دور مسابقات الغناء. وكلّما غاب الإعلام عنّا، وجدنا صعوبة في إيجاد رعاة». ويضيف جان بيار نصر الله أنّ الأوضاع صعبة لكل من يختار أن يحترف رياضة الرالي اليوم: «كلفة الاشتراك في أي سباق عالية جداً. السيارة لا يقل سعرها عن 150 ألف دولار، واستئجارها لسباق واحد يكلّف السائق بين 40 و50 ألف دولار، فضلاً عن كون اللبناني عاجزاً عن المشاركة في بطولة العالم بسبب مشكلة التمويل أيضاً». هكذا، تقلّص حلم جان بيار، لكنه لم يستسلم. شارك في رالي قبرص في 1994 و1995 و1997، وصارع على حلبة السباق ثلاثة أجيال. في الثمانينيات كان أصغر المتسابقين. في التسعينيات تسابق مع أبناء جيله، وفي الألفية الجديدة أصبح الأكبر سناً بينهم. يقول «في المراحل الثلاث، أثبتّ جدارتي وحققت الفوز».
في السنوات الأخيرة التي ابتعد فيها عن الحلبة، كان ينتظر الظروف المناسبة لدخوله الرالي مجدداً، لكنه كان أيضاً يُعد لحياته من بعدها. رغم أنّه يصعب عليه البوح بعمره، فـ«الشيخوخة الرياضية» تبدأ باكراً، لكنه يقول إنّه لا يضيع طاقته في التفكير في الموضوع، فحياته اليوم تأخذ اتجاهاً آخر. هو ينحو إلى عالم التجارة، ولو أنّ السيارات، شغفه الأول، ما زالت في صميمه. منذ ثماني سنوات، عمد إلى تنظيم دورات تدريبيّة على أسس الأمان في القيادة وقيادة الرالي. ويسخر صاحبنا من المخاطر التي يواجهها السائق في السباق، أمام تلك التي تواجه الناس على طرقاتنا. فـ«قيادة الرالي أكثر أمناً لأنها تخضع لنظام محدد، فيما ليس هناك أي نظام سير على الطرقات».
ألقى جان بيار نصر الله العديد من المحاضرات في موضوع «القيادة الآمنة» في الجامعات والمدارس. أمّا مقهى الإنترنت Scratch، حيث التقيناه في منطقة سنّ الفيل، فهو أول غزواته التجاريّة. هنا أيضاً لن تضيع هويّة صاحب المقهى، إذ توزّعت فيه صور لسيارات الرالي وخوذ، وسائقي فورمولا واحد، في مكان حسبه نصر الله استراتيجياً جيداً، إذ يقع إلى جانب إحدى الجامعات الكبرى. كذلك ترك جان أخيراً عمله الذي زاوله لخمس سنوات، مديراً لبعض علامات السيارات التجاريّة في شركة RYMCO، ليبدأ بالاهتمام بمشاريعه الخاصة. وهو يخطط لافتتاح مشروع لتجارة السيارات وصيانتها، إضافة إلى مشروع آخر عبارة عن منتجع صحي ومكان مخصص لتنظيم المناسبات. في هذه المرحلة الانتقاليّة، يخطّط الرياضي للمستقبل من دون التوقّف كثيراً عند محطات الماضي التي توّجها بإنجازات وانتصارات. يخطو بثبات نحو سن الرشد، ممزوجاً بحنين إلى «الباستا سادة» التي كان يفرضها عليه نظامه الغذائي قبل كل سباق. فـ«الباستا» كما السيارات، اعتادها منذ صغره، كانت تطهوها له أمه الفرنسية بوصفات جدّته الإيطاليّة!


5 تواريخ

1964
الولادة في بيروت

1985
حقق بطولة لبنان في سباق السرعة وتتالت إنجازاته

1995
تُوّج بطل لبنان في الرالي

2002
حلّ في المركز الأول في «رالي لبنان الدولي»

2010
ينتظر الفرصة المناسبة لخوض السباق مجدداً، ويفتتح مشروعين تجاريين