رامي زريقكالعادة، يؤدي ارتفاع أسعار القمح العالمية إلى ردات فعل محلية تختلف بحسب البلدان المعنية. وقد يكون من المثير للاهتمام، تأمّل كيفية تعامل كل من سوريا ولبنان والأردن مع هذه الأزمة. فالبلدان الثلاثة متشابهة بيئياً وتاريخياً، بالإضافة إلى أنها تمثّل جزءًا من الهلال الخصيب، حيث اكتُشف القمح البري ودُجّن منذ عشرة آلاف سنة. إلا أن فرقاً أساسياً يكمن بينها، ويتعلّق بتاريخها المعاصر، أي منذ أقل من مئة عام، بعد نيلها استقلالها المشروط وتبني كل منها نمطاً سياسياً واقتصادياً مختلفاً. فسوريا، التي تبنت الاقتصاد الموجه وسياسة الدعم المتواصل للزراعة وأعادت توزيع بعض الأراضي من خلال عملية الإصلاح الزراعي، طارحةً الأمن الغذائي عنصراً أساسياً من عناصر سيادتها، قد تضطر هذه السنة إلى استيراد جزء محدود من احتياجاتها من الحبوب، علماً بأن مخزونها الاستراتيجي من القمح سيمنحها فرصة انتظار تحسن الأسواق. أما لبنان، بلد نوابغ الاقتصاد الحر، فهو واقع في ورطة من صنع يديه، ومع أن وزارة الزراعة منعت تصدير القمح، إلا أن كميات كبيرة منه لا تزال تُهرّب إلى البلدان المجاورة، في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى دعم التجار والأغنياء على حساب الفقراء. وبالنسبة للأردن، تلميذ الولايات المتحدة المطيع، والذي فضّل تحويل أراضي زراعة الحبوب إلى سلع للاستثمار العقاري، فورطته أكبر بعد، لأنه يستورد أكثر من 90% من احتياجاته الغذائية، وقد بدأت الأصوات فيه تتعالى مطالبة بالاستثمار في زراعة القمح في بلدان أخرى تكون ظروفها الطبيعية مؤاتية، ويسهل فيها وضع اليد على أراضي فقراء محليين بمساعدة النخب المحلية. مقاربات مختلفة تعبّر عن سياسيات البلدان المعنية. من قال: «قل لي ماذا تأكل أقل لك من أنت؟».