إكرام الشاعركنا مكدّسين بالعشرات أمام مكتب ليبان بوست في مجمع الحدث الجامعي لإتمام معاملات التسجيل في إحدى كليات الجامعة اللبنانية، أو لتسديد إيجار المسكن في المجمّع، الذي لا يمكن تسديده إلا من خلال مكتب البريد هذا الذي جعله المنادون باللامركزية الإدارية «واحداً أحداً». كنا مجرّد أوراق، أكوام من المعاملات الرسمية تختنق بها الإدارات والمؤسسات العامة.
طلاب نزلوا الى بيروت من ضيعهم النائية، واقفون تحت الشمس، بعضهم افترش الأرض أو حافة أحواض لا ماء فيها بنيت قرب المكتب، قبل أن يعود ويخليها لأهالٍ مسنين قدموا لتسجيل أبنائهم. أما في المكتب الضيق، فموظّفان يعملان على الحاسوب دون انقطاع، وثالث يحرس الباب كأنه مدخل مغارة علي بابا. لم تكن خطوات معاملة تسديد الإيجار تتعدى أصابع اليد الواحدة، إلا أن معظمها أوقِف

كنا مجرّد أكوام من المعاملات تختنق بها الإدارات العامة

بسبب خطأ في إدخال «الداتا»، وأُرسِل أصحابها الى الإدارة للحصول على «أمر قبض». هناك، قرّر الحارس أن يستكمل استقبال طلبات التسجيل من دون أن يلتفت إلينا. مرت ساعتان وأمست كل ثانية إضافية تمرّ بمثابة ذرّة رمل تهوي إلى قعر ساعة رملية ضخمة. تسقط كجثة أمل في حفلة الإعدام الجماعي التي نتعرّض لها أمام حائط من حيطان مستقبلنا المسدود. في كل مرة يُفتَح فيها الباب، كانت رؤوسنا تشرئب كبلبل ظمآن، يتوق إلى ذلك الهواء المنعش المتسرّب من داخل الغرفة عساه يمتص الأشعة ما فوق البنفسجية الحارقة من جلودنا، ونسأل الحارس متى يحين دورنا؟ بدل أن يجيب، كان يأمر بصوته الأجش تلك الطوابير غير المنتظمة من مواطني الدرجة العاشرة بإفساح المجال أمام المارة. وبعدما هدد زميلة تدرس الهندسة المدنية، سنة خامسة، بعدم إدخالها لأنها «تزعجه» صارخاً «ما تعلميني شغلي»، قال «انتظروا ثلاث ساعات». هنا، ثارث ثائرتي وانتقلت الى الزملاء المنتظرين، بالعدوى، ثورة غضب لم تنته إلا بعد أن رضخ وأدخلنا.
يبدو أن العنف قد أصبح مادة أساسية في مناهج التعليم عندنا، وفي كل مؤسسات الدولة التي تعلّم «المواطنية الحقة».