سعيد خطيبي
وقفت على أدراج الكروازيت، بزيّ الكراكو القسنطيني التقليدي المطرّز. رؤية شافية بوذراع ترقص وتغنّي أمام آلاف الكاميرات على إيقاع أغنية «يا رايح» لدحمان الحراشي، أثارت فضول الصحافة الفرنسيّة والعالميّة واستغرابها. كان ذلك قبل لحظات قليلة من العرض العالمي الأول لـ«خارجون عن القانون» في «مهرجان كان» في أيار (مايو) الماضي. شريط رشيد بوشارب السجالي أعاد هذه الممثلة الجزائرية العتيقة إلى الواجهة بعد الجدل السياسي الواسع الذي أثاره، وترشيحه لتمثيل الجزائر رسمياً في جوائز الأوسكار (2011).
في حديث هذه المرأة التي تجتاز عتبة الثمانين، الكثير من الوقار والكبرياء وعزّة النفس. نبرتها متفهمة، هادئة. أفكارها منفتحة على الآخر وتتمتع بروح الحوار، إلى جانب تمسكها بطباعها ولهجتها القسنطينية المحلية. «كل شيء في الحياة بالمكتوب»، تقول. «كل واحد منا له قدره المكتوب، ولا بد من الصبر».
عايشت بوذراع تاريخ الجزائر قبل الاستقلال وبعده. مسيرتها المسرحيّة انطلقت عن مسرح قسنطينة قبل أن تنتقل إلى الشاشة الكبيرة، في أعمال لاقت رواجاً في الجزائر وفرنسا على غرار «شاي بالنعناع» (1984) لعبد الكريم بهلول.
في خضمّ السجال الواسع الذي يدور بين فرنسا والجزائر حول «خارجون عن القانون»، تعبّر بوذراع عن دهشتها من بعض «الآراء والتعليقات المبالغ فيها»: «أومن بأن الحقيقة تجرح. بعض الفرنسيين يرفضون النظر إلى الحقيقة». تصمت قليلاً كأنّها مضت في ذكرياتها إلى مكان آخر، ثمّ تقول: «لا نستطيع أن ننسى أبداً. كيف ننسى الماضي؟ لن ننسى ماضي فرنسا في الجزائر».
تجسّد الممثلة في الفيلم دور أمّ لثلاثة أبناء، هم: مسعود (سامي بوعجيلة)، عبد القادر (رشدي زام) وسعيد (جمال دبوز). ثلاثة إخوة تحكمهم في البداية علاقة تصادمية، لكنّهم يعلنون صراحة انخراطهم في دعم ثورة «جبهة التحرير الوطني» ضدَّ المستعمر الفرنسي. بما أن جلّ أحداث الفيلم تدور في فرنسا الخمسينيات، جاءت غالبية الحوارات بالفرنسية، إلّا أنّ شافية بوذراع أدّت مشاهدها باللغة العربية، وبلهجتها المحببة.
تجسّد في الشريط امرأة جزائرية، قروية النشأة، مناضلة، ومتشبثة بحق العودة إلى أرض الأجداد. تلك المرأة الصبورة تظلّ ثابتة في مواقفها رغم أنّها تجد نفسها وحيدة في مواجهة تقلبات الحياة عقب استشهاد زوجها (الممثل أحمد بن عيسى) في أحداث 8 أيار (مايو) 1945. «شعرت، فعلاً، بالنظر إلى الواقع والتفاعل الذي أثاره الفيلم، أنّني أمّ القضايا العادلة، وليس فقط أمّ الثلاثي مسعود وعبد القادر وسعيد».
من هذا المنطلق، تبدو معنيّة مباشرةً بخلفيّات الهجوم على «خارجون عن القانون». «الذين يحاولون تشويه صورة الفيلم معروفون. هم بالتأكيد من المتعاطفين مع «منظمة الجيش السرّي» O.A.S الفرنسية اليمينيّة المتطرفة والأقدام السّوداء»، مع العلم بأن الفيلم نفسه لا يتطرق إلى الأقدام السوداء (الفرنسيون الذين كانوا يقيمون في الجزائر خلال الحقبة الكولونياليّة)، لكنه يثير حساسيتهم بالنظر إلى بعده الاستقلالي الذي يتعارض مع مطالبهم بالعودة إلى الجزائر واسترداد ممتلكاتهم المادية الضائعة بعد استقلال الجزائر في عام 1962.
يبقى دور الأم لصيقاً جداً بمسيرة شافية بوذراع، سواء في السينما أو في التلفزيون. يعود أول ظهور لها على شاشة التلفزيون إلى مسلسل «الحريق» (1974) للمخرج مصطفى بديع، المقتبس عن رواية بالعنوان نفسه لمحمد ديب. أدّت هنا دور لالة عيني، الأم والأرملة، التي تسعى إلى منح أبنائها حياة أفضل في مجتمع جزائري، يعيش تحت سطوة الهيمنة الكولونيالية. يتذكر الجزائريون بكثير من الحب والنوستالجيا والاحترام شخصية لالة عيني التي صارت مع الوقت مرادفاً لكل أمّ تشقى من أجل توفير سبل نجاح أولادها: «لما أدّيت الدور في «الحريق»، حملت على كاهلي مسؤولية التعبير عن معاناة المرأة الجزائرية وشقائها بمختلف شرائحها. حاولت منح انطباع الأم الحقيقي، تلك الأمّ التي يتفاعل معها كل الجزائريين».
إلى جانب التراكمات في مسيرتها بين المسرح والدارما التلفزيونيّة، كان لبوذراع حضور متنوع في السينما، أبرزه دورها في فيلم «عربي، أبيض، أحمر» Beur blanc rouge (2006) لمحمود زموري (لعب على ألوان العلم الفرنسي: أزرق ــ أبيض ـــ أحمر bleu blanc rouge، صارت «ابن الهجرة العربيّة ـــ أبيض ـــ أحمر»).
هذا الأخير يعدّ أحد أبرز أعمال بوذراع، بالنظر إلى الإقبال الجماهيري الذي عرفه الفيلم في الصالات الجزائريّة. تؤدي بوذراع هنا دور «الجدّة» في عائلة جزائرية مغتربة، تعيش في ضواحي باريس. تنقلب حياة العائلة رأساً على عقب، بمناسبة المباراة الودية التي تجمع بين الجزائر وفرنسا (2001)، زمن سطوع نجم زين الدين زيدان. ينخرط الجميع في تشجيع الجزائر، بما في ذلك الجدة العجوز التي لا تجد سوى التعاويذ والأدعية لمناصرة فريقها الوطني.
فيلم يحمل جرعة زائدة من الكوميديا. اشتهر اسم الممثلة نفسها، في التلفزيون، خلال التسعينيات من خلال المسلسل الكوميدي «عيسى سطوري» مع المسرحي والممثل عنتر هلال. كما شاركت في مسلسل «الامتحان الصعب» (2008) لنزيم قايدي الذي جمع بين كوكبة من أهم الممثلات الجزائريات مثل بهية راشدي وفريدة صابونجي. كما ظهرت في فيلم روائي طويل «مال وطني» (2007) للمخرجة فاطمة بلحاج. تنتظر سافيو بوذراع خلال الأسابيع المقبلة العودة إلى جو التصوير عبر مسلسل «خالتي لالهم» الذي ينوي التلفزيون الجزائري إنتاجه وبرمجته في رمضان المقبل، وكذا عبر فيلم جديد للمخرج محمود زموري لم يكشف عن مضمونه، إلا أنّه سيقارب نظرة الأقدام السوداء إلى استقلال الجزائر.


5 تواريخ

1930
الولادة في مدينة قسنطينة (شرق الجزائر)

1974
لالة بعيني في مسلسل «الحريق» للمخرج مصطفى بديع

1984
«شاي بالنعناع» لعبد الكريم بهلول، وبعد سنوات لفتت الأنظار بدورها في مسلسل «عيسى السطوري» إلى جانب الممثل عنتر هلال

2006
Beur blanc rouge لمحمود زموري

2010
أدّت دور الأمّ في الفيلم السجالي «خارجون عن القانون» لرشيد بوشارب