في ساعة ونصف لا يمكن حل المشكلات البلدية لمنطقة صبرا. يوم الجمعة الماضي، جال رئيس بلدية بيروت بلال حمد في أزقّة هذه المنطقة. رأى وضعاً مزرياً يصعب تجاوزه وتركه على حاله. أطلق وعوداً بالإصلاح، تبدأ ترجمتها يوم غد، مع تعبيد الطريق من منطقة السبيل باتجاه نهاية شارع صبرا
محمد محسن
اللافتة الزرقاء الصدئة، تعكس حال الشارع الذي تدلّ إليه. مكتوب عليها «شارع صبرا: تأسس عام 1930». يوم الجمعة الماضي، كان الشارع بكلّ ما يحويه من بؤس وحرمان، على موعد مع زيارة تفقدية لرئيس بلدية بيروت بلال حمد الذي وصل إليه من مكتبه في سوليدير. الفارق شاسع بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول. لكن ما يجمع بينهما، هو أنّهما تتبعان لبلديّة واحدة، المفترض أنها تقدّم خدماتها بالتساوي عليهما.
من منطقة الدنا، حيث تجمّع مخاتير المنطقة وبعض أعضاء بلدية بيروت، بدأت الجولة بتصاريح إلى وسائل الإعلام. بسرعة، يلتصق شاكر البرجاوي برئيس البلديّة، وبسرعة أيضاً، يعدّد مطالب الطريق الجديدة «نريد مستوصفاً يا ريّس. ماذا سنفعل في الملعب البلدي؟». السؤال عن الملعب يكرّره آخرون، فيجيب حمد: «الملعب الأولمبي سينتقل إلى منطقة قرب ميدان سباق الخيل. السلم الأهلي فوق كل اعتبار. اطمئنوا، سترون جنّة ملاعب». أمّا في موضوع المستوصف فيطلب حمد من المهتمّين إعداد طلب وتقديمه للبلديّة لحل الموضوع.
مطلبان، على أهميّتهما، لا يشبهان أبداً المطالب التي سيواجه بها حمد في أزقّة صبرا. آخر هموم سكان المنطقة أن يكون عندهم ملعب. بدا واضحاً أن همومهم تنحصر في البديهيات: النظافة، الأمن، سلامة الغذاء، منع المخالفات الموجودة على الأبنية. دخل وفد كبير إلى صبرا، سبقته كاميرات وحراسة أمنية. يسأل السكان عن الزائر المفاجئ. الجميع يعرف حمد، فهو ابن المنطقة. لكن هذا لم يشجّع الكثيرين على الاقتراب والتحدّث معه. «هل نخبره عن مخالفاتنا كي يرسل الدرك ليزيلها» يقول صاحب إحدى بسطات الخضار التي تفحّصها حمد عن قرب.
صاحب إحدى البسطات: هل نخبره عن مخالفاتنا كي يرسل الدرك ليزيلها
يشير أحد المتجولين مع حمد إلى بقعة أرض، يقع في منتصفها مبنى صغير «هذه الأرض للبلدية يا ريّس، وخاضعة للتخطيط المدني. بإمكاننا إزالة المبنى وتحويلها إلى موقف سيارات» يقول. لا يروق الأمر لحمد، فكيف بُني فيها من دون إذن البلدية؟ وفي حال الاتجاه نحو استثمارها «فقطعة الأرض هذه لا تحتمل أكثر من 20 سيارة. من الأفضل تحويلها إلى حديقة عامة، سنرى ماذا يمكننا فعله». يتّجه حمد شرقاً، بعد دعوة سلوى حبلي «ادخل إلى زاروب دوغان يا ريس». يفسح مرافقه المجال أمامه، وخصوصاً أن ضيق الزاروب لا يسمح لأكثر من شخصين بالعبور داخله. يصرخ حسن حرب «نحن انتخبناكم يا ريس. ساعدونا. في الشتاء تصل المياه إلى بيوتنا. أطفالنا مرضى ويسبحون في ماء نتنة حين تمطر». يمتلك حمد خلفية واضحة عن الوضع في صبرا، لكنه بدا مذهولاً من حجم المشاكل التي يواجهها السكان. الوعد ذاته يتكرر «سنعمل على حلّ الموضوع إن شاء الله». ما زالت الرحلة في بدايتها. دقائق قليلة ويصطدم حمد بأقنية المجارير المسدودة. بسرعة، يضع الجميع أياديهم على أنوفهم اتقاء للروائح المنبعثة. مكوثهم لن يطول لدقائق، فكيف بسكان الحي! تتطوّع حبلي شارحة أسباب انسداد المجاري. «اللحامون يا ريّس سدّوها. عدا اللحم الفاسد، هم يرمون نفايات اللحوم في المجاري». يقول حمد إنه لا بد من إيجاد حلول لهذه المشاكل المرتبطة بمشكلة شبكات الصرف الصحي في المنطقة. يستدعي مهندس البلدية عبد الناصر سعد، ويسأله عن حل مسألة المجرور. يوحي كلام سعد بأن الحل ما زال في عهدة مجلس الإنماء والإعمار. ما هو؟ يجب تغيير شبكة القساطل بدءاً من طريق الجديدة إلى زواريب صبرا الواقعة ضمن نطاق بلدية الغبيري. بعد ذلك، يجب أن يركب مجلس الإنماء والإعمار 6 «طلمبات» في منطقة الرحاب تمهيداً لنقل المجرور إلى البحر «هذا هو الحل. صرلنا 6 سنين نطالب ولا أحد يسمع» يقول سعد.
يحاول حمد التخفيف من وقع الشكاوى المتهافتة عن «اللحم الفاسد، أوساخ الجزارين، وغياب المراقبة الصحية» بممازحة الوفد المرافق «معليش، هيدي اللحمة بتعمل مناعة». ويحتاج إلى مزحة أخرى ليخفف من الشكاوى التي انهالت معترضة على البسطات، فيقول ضاحكاً لسيدة «take it easy يا عزيزي». ثم يسأل رئيس مخفر الطريق الجديدة عن الحلول. «نريد زيادة في عديد عناصر المخفر لنتمكن من تسيير دوريات دائمة تقمع المخالفات. أمنياً، نفضّل أن يكون لصبرا مخفر خاص بها» يقول الرائد.
يتجه الموكب شمالاً باتجاه «أرض جلول». يشكو أحمد حامض «من 40 سنة وبناية الفاكهاني مليئة بالمجارير والجرادين والتلوث». يؤمّله حمد خيراً. تعود سلوى حبلي لتتصدّر جمهور المطالبين. تشير إلى بناء ضخم وتستذكر مرحلة ما قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري «كان يريد تجميل المنطقة. هل تسمحون لنا بدهن واجهة الأبنية من دون دفع رسوم للبلدية؟» تسأله، فيأتيها الرد بالإيجاب. مشكلة أخرى. سيارات قديمة تحتل مساحات واسعة من الشوارع، مركونة منذ مدة طويلة. لا يتردد حمد في حسم موضوعها «بتنشال كلا»، يقول ويتوجه إلى رئيس مخفر طريق الجديدة سائلاً عن الآلية المطلوبة لإزالة هذه السيارات. النفايات من جديد. مستوعباتها القليلة في حيّ أرض جلول عرضة دائمة لنفايات الجزّارين، ولروائحها العفنة. على مقربة من المستوعبات، أرض بور فيها سيارات مرمية. يؤكد الأهالي لحمد أن هذه الأرض للبلدية ويقترحون إقامة موقف سيارات فيها فيبدي تجاوباً.
باتجاه تعاونيات صبرا، المخالفات بالجملة. يتكفل أحد السكان شرح وضع المخالفات لحمد «ريّس، التعاونية تجاوزت جزءاً من مساحتها نحو أرض البلدية، ويجب أن تعود الأرض للبلدية لاستثمارها». يتقدّم حمد والوفد الذي بدأ يتناقص عدده مع كل مئة متر تقريباً. لم يختلف المتجولون على مصير أرض صغيرة. هي ملائمة لتكون حديقة للصغار. تخرج سيدة من أحد المحال التجارية وتشير إلى براميل النفايات «الأولاد في مدرسة عمر حمد يشمّون رائحة زومها المقرف يا ريس. الكلس الذي يضعونه لا يكفي بتاتاً لمنع الروائح». يعود حمد لإطلاق نكتة «اكتساب المناعة» قبل أن يجزم بضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة.
يمازح حمد مرافقيه للتخفيف من حدة الشكاوى: اللحم الفاسد بيعمل مناعة
أثناء عبوره باتجاه منطقة السبيل، وزع أحد أعضاء الوفد عبوة تحوي سائلاً مطهراً لليدين «التلوث كبير، نظف إيديك يا ريس». منظر سور المبنى المهدّم. تختفي خلفه نفايات كثيرة يتعجب حمد لوجودها. تحاول سلوى حبلي ممارسة ضغط معنوي، ربما يعجّل في إزالة الركام والنفايات «هل نحضر لكم الفتاة التي ريقنت بعدما رأت الجرذ الضخم الخارج من هذا الركام؟». تنجح في مسعاها، إذ يتوجه حمد إلى مهندس البلدية «عبد، سأتكل عليك في إزالة هذا الركام بأسرع وقت ممكن». تزفيت الطريق من حي السبيل باتجاه مهنية صبرا كان الوعد الوحيد الذي وضع له حمد جدولاً زمنياً. فبعد نزع بعض العوائق الحديدية، سيتم «تزفيت الشارع يوم الخميس المقبل (غداً)». تغتنم إحدى السيدات الفرصة، وتطلب تزفيت الزاروب المؤدي لبيتها، فيطلب منها حمد انتظار يوم الخميس «أثناء تزفيتهم الشارع اطلبي منهم ذلك ولا تبارحي المكان حتى يتم تزفيت كل البقعة التي تريدينها يا حجة، تكرم عيونك».
في المحصّلة، يعترف حمد بأن الوضع صعب ومبك. قسّم المشاكل إلى كبيرة وصغيرة، وأكد في حديث لـ«الأخبار» أن مشكلة البسطات تتجه نحو الحلحلة «سنقيم سوقاً للخضار بالمفرق، ونحن بانتظار إيجاد العقار المناسب لهذا الموضوع». أما بالنسبة لمشكلة الصرف الصحي والمجارير في صبرا، فيؤكد أن المسألة بانتظار الاتفاق مع بلدية الغبيري «لدينا اجتماع قريب جداً لمعالجة هذه المسألة». أما اللحومات الفاسدة فحل مشكلتها «يرتبط بملء ملاك التوظيف في البلدية. نحتاج إلى توظيف مراقبين صحيين. قريباً، سنعد امتحانات في مجلس الخدمة المدنية لهذه الغاية. الموجودون الآن في البلدية هم من المتعاقدين».