تلك الابتسامة لا توحي بكل هذا الضيق. في المناورة الأخيرة التي أجرتها «اليازا»، بالشراكة مع الدفاع المدني أمام مستشفى جبل لبنان، كان اللافت في وجه الشاب الأسمر تلك الابتسامة التي لم تفارق الثغر طوال ساعات المناورة. كانت حاله معاكسة تماماً لحال جهازه المنهك من المشاكل. هكذا بدا. لكن ليس كل ما يبدو هو فعلاً صحيحاً، فأسوأ ما في حياة هذا الشاب، ولنقل إن اسمه خالد، كان التحاقه بالدفاع المدني. لمن لا يعرف طبيعة العمل في الدفاع المدني، قد يجد قول هذا الشاب مبالغاً فيه، لكن «لمن يستغرب، فليلتحق بالعمل معنا ليومين»، يقول خالد.قبل خمسة وعشرين عاماً، كانت نقطة التحول في حياة خالد. آنذاك، كان الشاب مقاتلاً في القوات اللبنانية، عندما طلب الدفاع المدني من كل حزب 200 شخص للالتحاق بالعمل كمتعاقدين. يومها، اختير خالد ليكون من ضمن القائمة. التحق بالجهاز، وكان له من العمر 24 عاماً. مرت السنوات. ترقّى خالد من عنصر إلى رتبة رئيس مركز. لكنه، بعد كل تلك السنوات، لا يزال أجيراً، مع ما تعنيه الكلمة من... محفّزات: «تعويض زفت بلغ بعد خمسة وعشرين عاماً من الخدمة 13 مليون ليرة لبنانية أخذتها لإكمال تعليم ابنتيّ». لا تنتهي «المحفزات»، فالأجير لا يشمله «التأمين ولا حتى الضمان، والراتب لا يكاد يكفي لدفع فاتورة الكهرباء والمياه». ويضيف: «إيجار البيت وحده يبلغ 600 ألف ليرة».
كهرباء. مياه. إيجار بيت. تعليم. بالكاد يكفي راتب المليون والثلاثمئة ألف ليرة لبنانية الذي يتقضاه خالد لكل هذا. وهو مبلغ ليس ثابتاً بطبيعة الحال، «إذا ما اقتطعنا منه الإضافات كبدل النقل ومعاش العائلة»، يضيف خالد. 29 يوماً يقضيها خالد من دون راتب، تاركاً أمر إدارة شؤون البيت وتوفير مصاريفه الشخصية وبناته لزوجته. لا خيار آخر أمامه. كل ذلك قد يبدو سهلاً، إلا عند الوفاة. فبعد «عمرٍ طويل»، إن توفي خالد في لحظةٍ ما، يتوقف راتبه. لا يحسب للسنوات الخمس والعشرين حساباً، ولا للسهر ولا حتى للمأذونيات التي يجبره الواجب الإنساني على التغاضي عنها. وكم من خالدٍ في الدفاع المدني. وعند الوفاة، كل ما يناله هذا «الخالد» وسام لجهوده. ومن يعول العائلة؟ الله.
ر. ح.