محمد محسنأمس، عند ساعات الغروب الأولى، أوقفت قوى الأمن عدداً من أصحاب عربات الخضار في منطقة طريق المطار القديمة. بعدما رمت بعض محتوياتها وكسّرت بعضها، وفق ما روى شهود لـ«الأخبار».
احتشد جمع يتابع المشهد: المارة على الرصيف، ركاب الحافلات الصغيرة، والعمال الآخرون الذين يعبرون الطريق صدفة.
فجأة وصل رجال قوى الأمن، راحوا يصرخون في وجوه أصحاب العربات التي تتكدس على معظمها الخضار. في شاحنة ضخمة، صُفت العربات بعضها فوق بعض بطريقة تؤدي إلى تحطمها وتهشمها، فيما أصحابها ينظرون إليها. شهود يقولون إن عدد العربات لم يكن كبيراً. البعض يقول «إنها أربع عربات فقط، ولا تسبب نفوراً في المشهد العام للطريق». ويقول الشهود كذلك إن رجال الأمن لم يسألوا عن محتويات العربات الصغيرة، فيما أصحابها كانوا يرددون أنها مصدر رزقهم الوحيد.
صُفّت العربات في شاحنة بطريقة تؤدي إلى تحطمها
لا بد من الإشارة إلى أن أصحاب العربات الذين كانوا يحتجّون هم من العمال الفقراء الذين يبدو التعب واضحاً على وجوههم وأجسادهم من شدة الدفع المتواصل طوال النهار. أحدهم بدا ذاهلاً أمس، آخران لم يستطيعا شيئاً فبكيا، وعامل كان أكثر رباطة جأش حاول السؤال بتهذيب عن المشكلة، فنهره رجال الأمن. وعامل آخر كان يصرخ في الهاتف بحثاً عن «منجد»، فيما هرع آخرون على امتداد الرصيف الطويل، لإنقاذ ما بقي من عربات. باغتتهم القوى الأمنية، وضربتهم على غفلة (راجع عدد الأخبار 7 تموز 2010).
ينقل شهود أن أصحاب العربات ـــــ أو ربما هم العمال الذين يجرّونها ـــــ يتفرجون على رجال الأمن وهم يدوسون الخضار التي هي رزقهم، بقسوة، ويبعثرون محتويات أشيائها. يضيف الشهود أن البائعين كانوا يحاولون إنقاذ ما يستطيعون إنقاذه من البطاطا والخس، وقد أُتلف قسم كبير منهما. أحد العمال انسحب يائساً، حاملاً صندوق بطاطا، مطأطئاً رأسه. لم يفعل شيئاً يذكر، كان يبيع بسعر أقل من سعر السوق، وكان الفقراء يستفيدون من بضاعته. واليوم، قد ينام أولاده بلا طعام، الغلة كلها، ماتت على الرصيف. وفي المناسبة، معظم العمال الذين تعرضوا للتوقيف العنيف هم من التابعية السورية.
كأن شيئاً لم يكن. العمال يلملمون الخضار، والشاحنة ترحل غانمة عربات خشبية، وحزن صغار العاملين. المواطنون، الذين عاينوا المكان أبدوا استياءهم. وحده، سائق إحدى الحافلات، أراد التعليق بحماسة. حاول أن «يجبر خاطر» أحد البائعين الذين عادوا معه، فقال له بصوت مرتفع: «الدولة لا تستطيع مواجهة إسرائيل، فتأخذ بثأرها منك». من جانبه، يؤكد رئيس بلدية برج البراجنة التي تتبع لها طريق المطار القديمة عقارياً، جمال رحال، أنّه «لا يقبل أي إهانة لأي عامل»، لكنه يؤكد أنه «منذ أكثر من شهر، نحن نطالبهم بالحسنى أن يزيلوا مخالفاتهم؛ لأنها تعطّل السير وتسبب زحمته، لكنهم لا ينصتون لنا. لا تلوموا الدرك، ربما كانوا قد قسوا عليهم، لكن البائعين لم يلتزموا بشيء طوال شهر، ومن يملك حلاً لقضيتهم فنحن جاهزون لتطبيقه بما يكفل صون رزقهم».