يشكو عدد من ذوي الاحتياجات الخاصة تمييزاً ضدهم. فهم محرومون قانوناً من الحصول على دفاتر سوق عمومية. أكّد مسؤولون الخبر، أما الذريعة فحماية أرواح الآخرين. يستفسر هؤلاء عن الأسباب متسائلين: هل أرواحهم أقل قيمة؟
رضوان مرتضى
«لم أتقدّم رسمياً بالطلب لأنه مرفوض مسبقاً»، يقول فؤاد، ويضيف، «لا يحقّ لي أن أقود سيّارة تحمل لوحة حمراء، لكنهم يسمحون لي بقيادة سيّارة خصوصية». ينطق فؤاد بهاتين الجملتين بتهكّم لا يخلو من مرارة يقول إنها تختصر معاناة كثيرين مثله. يصمت الرجل قليلاً ليعود ويطرح مجموعة تساؤلات تُلخَّص جميعها بصيغتين: «لماذا؟ وأين المنطق في ذلك؟». رغم عدم محاولة فؤاد الاستحصال على رخصة سوق عمومية، إلا أن كلماته تعكس تشاؤماً ملموساً. فهو يستند إلى تجربة زميله أحمد الذي تقدّم بطلب للغاية نفسها. فقد حاول أحمد الحصول على رخصة سوق عمومية أكثر من مرّة، لكن من دون جدوى. يذكر أحمد أنه قصد النافعة عدة مرّات، لكنهم كانوا في كل مرّة يطلبون إليه مراجعة طبيب موجود في بعبدا للاستحصال منه على إفادة طبية تُفيد بأنه صالح للقيادة. لذلك قصد الطبيب المذكور، فأخبره بأنه لا يمكنه منحه الإفادة المذكورة لأن لديه عاهة. هنا يسأل أحمد: «لماذا نخضع للجنة طبيّة في الأصل، بما أن لدينا ملفاً لدى وزراة الشؤون الاجتماعية؟». لكنه رغم سؤاله يعود ليعرب عن قبوله الخضوع لكل الشروط المفروضة، ولفت إلى اقتراح يقابله زميله باستحسان: «فليضعوا شروطاً وليُلزمونا بالخضوع لاختبار طبي وعملي كل سنتين».
يشرح الشابان لـ«الأخبار» أن المسؤولين علّلوا سبب رفض السماح لذوي الاحتياجات الخاصة بالحصول على رخص سوق عمومية بأنه يندرج في إطار حماية أرواح الغير، إذ كيف يمكن «معوّقاً أن يتحمّل مسؤولية الحفاظ على حياة الركاب الذين يصعدون معه إذا كان سائق سيارة أجرة؟».
يتبادر إلى الذهن، للوهلة الأولى، أن الطبيب قد يكون محقّاً في رفض منح هذه الإفادة، لكن عندما يتبيّن أنه لدى كل من فؤاد وأحمد سيّارة خصوصية يقودانها بطريقة قانونية، تتوضّح الصورة أكثر. عند هذا الحد تبرز الحاجة إلى السؤال عن المعايير التي يعتمدها هؤلاء في بناء تعليلاتهم. فكلّ من فؤاد وأحمد وكثيرون غيرهم من ذوي الاحتياجات الخاصّة يتنقلون بسيّارتهم يومياً على الطرقات. يحملون أفراد عائلاتهم معهم. يوصلون أصدقاءهم هنا، ويتوقفون هناك للسماح لأحد المارّة بالعبور. كذلك تُحرّر بحق المخالفين منهم محاضر الضبط. وفي هذا السياق، يسأل أحمد: «أين المنطق في الإجراءات المتّبعة في منعنا من قيادة سيّارة عمومية»، ويضيف: «هل حياتي أرخص من حياة باقي الناس». يتدخّل فؤاد ليعقّب على كلام زميله قائلاً: «ليس هناك أحد أعزّ عليّ من أبنائي الذين أنقلهم دوماً بسيّارتي»، ويضيف «قيادة ذوي الاحتياجات الخاصة للسيارات العمومية متاحة في الدول المتقدّمة»، لافتاً إلى أن الاعتبار يكون بأنّ كل مؤهّل لقيادة سيّارة تحمل لوحة خصوصية يمكنه أن يقود واحدة تحمل لوحة عمومية.
ينتهي الشابان من الحديث عن المعايير غير المنطقية المفروضة، ليبدأ حديث من نوع آخر. فيتحدّثان عن عدد من ذوي الاحتياجات الخاصّة الذين حصلوا على رخص سوق عمومية بالواسطة. يذكرون عدداً من السماسرة الذين كانوا يستحصلون لهم على رخص سوق مقابل مبالغ مالية، لافتين إلى أنهم قد يلجأون إلى هذا الخيار في حال انسداد جميع السُبل. كذلك يذكرون عدداً من أصدقائهم الذين صاروا يستعملون سيّاراتهم لنقل الركّاب دون أن يكونوا حائزين رخص سوق عمومية.

المنح بين القبول والرفض

رغم مطالبة ذوي الاحتياجات الخاصة بحق الحصول على رخصة سوق عمومية، الذي يرى كثيرون أنه طلب محقّ، يقول آخرون إنهم لا يحبّذون ذلك. وفي هذا السياق، يقول محمد الذي يستقل سيارة أجرة يومياً: «لن أختار أن أصعد مع رجل من ذوي الاحتياجات الخاصّة إن كان سائق سيارة أُجرة»، مشيراً إلى أن عدداً من أصدقائه يشاطرونه الرأي نفسه. ويلفت أحمد إلى أن الطرقات خطرة في لبنان، ويرى أن القيادة العمومية ليست كالخصوصية، فهي تتطلّب جهداً إضافياً، لأن السائق العمومي يعمل لساعات متعددة في ظروف صعبة. وبين الرأي الموافق والرأي المعارض، يبرز موقف وسطي تتبنّاه إحدى الفتيات التي تشير إلى أن منع ذوي الاحتياجات الخاصة من الحصول على رخص السوق فيه ظُلم، لكنها تشترط منح هذا الحق إذا كانت سيارة الشخص مجهّزة بما يسمح له بالقيادة بطريقة سليمة ومن دون جهد إضافي.

رفْضُ المسؤولين يندرج في إطار حماية أرواح الغير
لم ينته النقاش، لكنّ موقفاً بارزاً لأحد الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة يفرض نفسه، إذ يسأل الأخير عن الرقيّ والتحضّر في أحكام مسبقة تمنع رخص السوق العمومية عن أشخاص يُحتمل أن تكون قيادتهم أفضل من الأسوياء. يقول ذلك ليختم بسؤال يعرف الإجابة عنه مسبقاً: «عدد قتلى حوادث السير كبير جدّاً في لبنان.. فما هي نسبة الحوادث التي سبّبها ذوو الاحتياجات الخاصّة؟».

لقطة

ذكر رئيس اتحاد نقابات النقل العام عبد الأمير نجدي لـ«الأخبار» أنه لا يمكن أيّ معوّق أن يحصل على رخصة سير عمومية باعتبار أن ذلك مدرج في قانون السير. ولفت نجدي إلى أن مهنة قيادة السيارة العمومية من المهن الشاقّة التي تتطلّب الكثير من الحركة والجهد. من هذا المنطلق، أشار نجدي إلى وجود تخوّف لدى الكثيرين من أن تؤثر «عاهته» في قدرته على التعامل مع المواقف المستجدة أثناء القيادة، ما قد يسبّب إزهاق أرواح الركّاب. أما في ما يتعلّق بالسماح لذوي الاحتياجات الخاصّة بقيادة السيّارة الخصوصية، ولماذا لا يؤخذ في الاعتبار المعايير المعتمدة فيما يختص برخصة السوق العمومية، فيشير نجدي إلى أن قيادة «المعوّق لسيّارته الخصوصية تكون على مسؤوليته، إنها حياته هو».


حقوق مغيّبة

ذكر رئيس اتحاد المقعدين اللبنانيين حسن مروّة أن أولوياتهم في المرحلة المقبلة هي تركيز الجهود مع الوزارات الخدماتية المعنية بحقوق ذوي الاحتياجات (العمل، التربية، الصحة، والأشغال)، لحثّها على إنشاء التجهيزات الهندسية التي تمثّل القاعدة الأساسية.
وأشار إلى أنه رغم مرور عشر سنوات على إقرار القانون 220/ 2000 الذي يمثّل الإطار التشريعي العام لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان، لم يطبّق ما يقارب تسعين في المئة منه، كالمراسيم التطبيقية في كل وزارة. وأشار إلى أن جزءاً كبيراً من المراسيم التطبيقية لم يصدر بعد، وأن جزءاً آخر من المراسيم التي صدرت لم يُطبّق بعد.
ودعى رئيس الاتحاد الحكومة اللبنانية إلى بذل ما يمكن لتطبيق القانون في أقرب وقت، للتخفيف من الصعوبات التي يعاني منها ذوو الاحتياجات الخاصة في لبنان.