علاء اليوسفي
الكتابة عندها ليست ترفاً، ولا همّاً ينوء تحته قلمها. الكتابة عندها متعة الانفتاح على فضاء طفولي، وعلى غواية الأسئلة الوجودية... وإذا كان للشعر أن يورّث، فهي حتماً تحمل جينات والدها الأديب البحريني الشهير إبراهيم العريض المعروف بـ«شاعر الخليج». ذاع صيته في السياسة بعدما ترأس «المجلس الوطني التأسيسي» في البحرين ووضع الدستور عام 1973. كانت ثريا العريض من أوائل اللواتي نلن شهادة دكتوراه، لا في البحرين بلدها الأم فحسب، بل أيضاً في الخليج العربي. أما مسيرتها فكانت تعبرها من خلال دروب متشعبة، تزوّدت على منعطفاتها قليلاً من الشعر وكثيراً من الطموح. كانت تلك المنعطفات أكثر من محطات عابرة بالنسبة إليها، عاشت في كل منها سنوات أسهمت في تكوين وجدانها.
نشأت في البحرين في كنف والدها وأمها (ابنة عمه). ما زالت تذكر نصيحة والدها بأن تتريّث قبل النشر، «لأن المزيد من النضج يحمل العطاء الأفضل»، كما تقول. ليس المهم برأيها أن ينشر المنجز في وقته وتتعالى الأصداء حوله. الأصداء قد تحرق المبدع وتوقف قدرته على الحوار مع الذات، فينصرف إلى مطاردة الأصداء بأي ثمن. لهذا السبب ربما، جاء نشرها ديوانها الأول متأخراً نسبياً... لكنّ علاقتها مع كتابة الشعر والقصة القصيرة بدأت باكراً، إذ أذيعت نصوصها على «إذاعة البحرين» وهي على مقاعد الدراسة الابتدائية. نُشرت لها ثلاثة دواوين شعرية، «عبور القفار فرادى» (1993) الذي عالج فكرة وحدة الإنسان في غربة ازدحام المدن. تلاه «أين اتجاه الشجر؟» عام 1995، و«امرأة دون اسم» عام 1998، كذلك لها دواوين معدّة للنشر وعشرات القصائد الأخرى.
نصيحة والدها فوّتت عليها فرصة الفوز بلقب «الطفلة المعجزة» التي كتبت الشعر والقصة قبل العاشرة. لكنها لا تبدو نادمة على ذلك، إذ تتساءل «هل كنت سأظل أكتب بالتجرد والصدق نفسه لو فعلت؟». تضيف: «المهم أن يجتاز الكاتب امتحان الزمن، فلا يصير إنتاجه مجرد إضافة إلى تراكم المطبوع والمهمل والمنسي في تاريخ البشرية الحافل».
على هذه الأرضية الصلبة، بنت ثريا العريض قلعتها الشعرية حتى باتت تمثّل اليوم أحد أهم الأصوات النسوية الشعرية في الخليج، حسب العديد من النقاد. بعد صدور ديوانها «أين اتجاه الشجر؟» سمّاها الدكتور غازي القصيبي «زرقاء الظهران»، واستشهد الدكتور عبد الله المعيقل بنصوصها في دراسته النقدية عن الشعر السعودي، وتناول قصائدها الشاعر والناقد محمد العلي مشيراً إلى تميّزها. الناقد محمد العباس عدّها «صوتاً أنثوياً صافياً ضمن الخطاب النسوي» في الخليج، ترسم علاقة المرأة العربية بالوطن المتناقض الوجوه.... لهذا السبب، كانت تجربتها محور العديد من الأبحاث والأطروحات الجامعية، وقدم الكثير من النقاد قراءات مجددة ودراسات مستفيضة عن شعرها، منهم، خليجياً، غازي القصيبي وعبد الله الغذامي ومعجب الزهراني، إضافةً إلى ترجمة شعرها إلى عدد من اللغات الأجنبية.
أكثر الذين يتعرّفون إليها، يعرفونها من خلال وجه واحد... لكنّ قلّة منهم يعرفون أنّ للعريض وجوهاً متعددة اكتسبتها بحكم تعدد اهتماماتها وانشغالاتها. هي الشاعرة في المنتديات والمهرجانات الأدبية وفي الدواوين التي تحمل اسمها. وهي المثقفة والكاتبة التي تذيّل توقيعها بمقالات تحمل هموم المرأة في الصحف المحلية السعوديّة. وهي المرأة التي عملت مستشارة للتخطيط في شركة «أرامكو» السعودية في الزمن الصعب، حين كانت المرأة السعودية لا تكاد ترى النور في نهاية النفق. وهي الخبيرة المشاركة في المحافل الاقتصادية العالمية وحاملة الشهادة العليا في الإدارة والتخطيط التربوي. ليس غريباً أن تكون مثالاً للمرأة المتحرّرة والمبدعة في السعودية والخليج العربي... إذ تكفي إطلالة بسيطة على صفحتها على «فايسبوك»، ليدرك المرء ما تتمتع به من تقدير آلاف المعجبين.
كانت البحرين محطتها الأولى «البلد الطيب، الناس والأرض، لم أعرف فيه سوى الحب والحنان والحضن الدافئ من أمي، ووالدي الذي ظللني اسمه وسمعته الطيبة وشهرته كأديب. تشجيعهما لي ومكتبته الشاسعة بآلاف الكتب كانت مدخلي إلى تحقيق الذات»، تقول. وفي البحرين، تعلمت أن الحياة والعطاء يتطلبان تقبّل الآخرين المختلفين في تفاصيلهم ومعتقداتهم. أما بيروت، فكانت مرحلة الدراسة الجامعية التي شرّعت لها أبواب العالم الأوسع وطريق البحث عن المعرفة، ووضحت لها معنى أن تكون عربية. جاءت إلى العاصمة اللبنانية ضمن بعثة للطلبة المتفوقين، ونالت شهادة البكالوريوس في التربية وتدريس اللغة الإنكليزية لغير الناطقين بها من «كلية بيروت للبنات»، ثم شهادة الماجستر في إدارة المؤسسات التربوية العليا من «الجامعة الأميركية في بيروت». هناك عرفها زملاء الدراسة الجامعية شاعرة باللغتين العربية والإنكليزية على صفحات المطبوعات الجامعية، قبل أن تُعرف قصائدها عربياً في منتصف الثمانينيات، إذ احتفت بها الملاحق الأدبية السعودية ومطبوعات أدبية متخصصة في شتى البلاد العربية. وفي بيروت أيضاً حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ التقت بنصفها الآخر عبد الله الدباغ، وتزوّجا ليكملا الدرب إلى الولايات المتحدة، حيث أتمّا دراساتهما العليا وعادا ليستقرا في الظهران في السعودية. عملت في «أرامكو» مستشارة تخطيط وأنجبت ولداً وثلاث بنات.
نصائح كثيرة قدّمت إليها ولم تعمل بها على امتداد سنوات. تقول: «نصحوني بأن أصبح طبيبة بسبب تفوّقي المدرسي ولم أفعل. ونصحوني بأن أنجب المزيد من الأبناء لكننا اكتفينا بأربعة. ونصحوني بأن انتقل إلى العاصمة حيث الحراك الثقافي، لكنني فضّلت رطوبة الخليج».
ما زالت مسيرة ثريا العريض مستمرة، لكنّها لا تعرف أين وصلت. تشبه طفلاً يركض ليركض... لا ليصل إلى نقطة محددة. فالانفعال كما تقول يظل جذوة طفولية فينا، و«الشعر هو لغة الطفولة نلامس بها تأجّج ذواتنا».


5 تواريخ

1948
الولادة في البحرين

1969
ماجستير في إدارة المؤسسات التربوية العليا من «الجامعة الأميركية في بيروت»

1975
دكتوراه في الإدارة والتخطيط التربوي
من جامعة كارولينا الشمالية

1993
صدور ديوانها الأول
«عبور القفارى فرادى»

2010
تشارك بوصفها خبيرة تنمية في مؤتمر عن فرص الاستثمار في السعوديّة، يقام في لندن في أيلول (سبتمبر) المقبل