سعيد خطيبيإدارة «مهرجان الراي» في سيدي بلعباس (غرب الجزائر) رضخت العام الماضي لضغط الجمهور، بعد انطلاق فعاليات الدورة الثانية، وأدرجت اسم الشاب عبدو ضمن قائمة المدعوين. هكذا، خصّصت سهرةً كاملةً على شرفه، امتدت ثلاث ساعات، غرق خلالها محبّو المغني في حالة هستيريا. وهذا ما دفع المتابعين إلى إعادة النظر مجدداً في سرّ نجاح الشاب عبدو. هذا الأخير يُعدّ من الأسماء الرائدة في ما يسمّى «راي المدّاحات»، وصاحب شخصية تجمع المتناقضات، وخصوصاً أنّه أقرّ علناً بمثليّته الجنسيّة.
يكفي فقط التلفظ بعبارة «الشاب عبدو» في الجزائر، حتى تنتفض الجهات المحافظة، والجماعات الإسلامية التي تعدّ الرجل رمزاً للفسق وانحلال الأخلاق. عبدو (اسمه الحقيقي نيار عبد المطلب) لا يردّ على منتقديه، بل يفضّل التزام الصمت، مستعيناً بمثل شعبي جزائري: «اللي ما يلحق عنقود العنب، يقول عليه حامض»، مشيراً إلى أن مختلف الانتقادات الموجهة إليه ليست سوى نوع من الغيرة والحسد والأنانية أيضاً.
الابتسامة الدائمة تطبع محيّا الشاب عبدو، ولا يتوانى عن تكرار عبارة «أنا الشيخ عبدو، ولست الشاب!». يفضّل عبارة الشيخ للدلالة على جيل سابق يقترب من الجيل المفضّل لعبدو، أي جيل «المدّاحات». وهي تسمية تُطلق على الفرق الموسيقية في الغرب الجزائري، التي تتكوّن من نساء فقط يُحيينَ الأعراس والأفراح العائلية. وهذه الفرق معروفة بجرأتها في الطرح، وكسر التابوهات، والتعرّض لقضايا اجتماعية محظورة مثل الجنس، والخمر، والعلاقات الجنسية.
خطواته الأولى في عالم الموسيقى قام بها عبدو في الثانية عشرة. تأثّر بفرق «المدّاحات» مع نشوئه في وسط اجتماعي يطغى عليه صوت المرأة، ما انعكس على شخصيته، هو الذي يعدّ نفسه امتداداً للمدّاحات اللواتي عاشرهن خلال الطفولة والمراهقة. يقول «تربيت بين المدّاحات، وكنت أرافقهن في حفلات الزفاف والأعراس. وما أقدّمه هو بمثابة تحية ووفاء إلى جذوري».
حين بلغ العشرين، كانت موسيقى الراي في وهران تعيش على الهامش، وتحاول فرض حضورها. انخرط الشاب عبد المطلب في حياة مهنيّة روتينيّة. اشتغل بدايةً مساعد محاسب في إحدى المؤسسات الحكومية، إلا أنّ ميوله الفنية كانت أقوى... هكذا انسحب تدريجاً إلى حياة الملاهي الليلية في وهران، وشرع في إحياء الحفلات التي كانت تستمر حتى ساعات الصباح الأولى. في تلك الأمسيات، كان يستعيد أغاني بعض المدّاحات المعروفات مثل الشيخة ريميتي. اكتسب عبدو حضوراً وسمعةً، وخصوصاً أنّه كان في منتصف التسعينيات الصوت الرجالي الوحيد الذي يؤدي أسلوب المدّاحات، ما منحه انتشاراً وجمهوراً، لكنّه عرّضه أيضاً لجملة من الانتقادات، إذ لم يكن مألوفاً يومها مشاهدة رجل ذي ميول أنثوية.
استمرت حياة التيه في الكباريهات والسهرات العائلية حتى عام 1997، حين أصدر أغنية «مادري مادري» التي جاء في مطلعها: «يا قلبي نوصيك بالاك تقرا الأمان...غير يوالفوك ومن بعد يقيسوك في البئر»، المستمدة من ريبرتوار الشيخة ريميتي. وهي أغنية أعاد الشاب عبدو تحديثها وتوزيعها، ما أثار سخط ريميتي في البداية، قبل أن يتصالح الطرفان، ويقدّمان الحفلات المشتركة داخل الجزائر وخارجها. استطاعت «مادري مادري» أن تتربع على قائمة المبيعات في صيف تلك السنة، ونالت لقب «أغنية الموسم»، في فترة كانت ساحة الراي تشهد بزوغ عدد من الأسماء المهمة التي راحت تنظر بشيء من الاستغراب والفضول إلى الصعود المفاجئ للشاب عبدو.
خصوصية أغنية «مادري مادري» أنها جاءت في فترة كانت موسيقى الراي تشهد سيطرة الأغنية العاطفية التي أفادت من نجاحات المغنّيَين الشاب نصرو والشاب حسني (1968 ـــــ1994) الذي يُعدّ قدوةً لعبدو. يقول عنه بلكنة وهرانية: «اللي ما يبغي حسني ما يبغيش الراي» (مَن لا يحب حسني لا يحب الراي).
منذ النجاح الأوّل صار اسم الشاب عبدو متداولاً، واستطاع في وقت قصير أن يقدّم الحفلات الفنية في أوروبا، وخصوصاً فرنسا، ويتفاعل مع جمهور الراي بمختلف فئاته، مواصلاً في الوقت عينه إصدار الألبومات التي حظيت بنجاحات متفاوتة. نذكر من بينها: «هو الكذاب»، و«ندير l’avenir»، و«نغدا معاه» (اذهب معه)، و«لو كان» (2009). وقد أدّى في الألبوم الأخير دويتو بعنوان الألبوم مع الشابة الزهوانية. هذه الأعمال منحت عبدو قاعدةً شعبيةً كبيرة امتدّت من شرق الجزائر إلى غرب المغرب، وصار اسمه ـــــ بوصفه وريث المدّاحات ـــــ الحاضر الأهمّ في مختلف السهرات الفنية والسياحية.
في مقابل ذلك، فرضت عليه وسائل الإعلام الرسمية حالة تعتيم معلنة بسبب إعلانه صراحة ميوله الجنسية. ولا يرى المغني مانعاً في الظهور بالماكياج، والملابس الضيقة والبرّاقة، مع إبراز حساسية أنثوية وصوت دافئ، وتقديم وصلات من الرقص الشرقي على المسرح، ما دفع إحدى الصحف مرةً إلى التعليق: «الشاب عبدو يهدّد عرش فيفي عبدو». هذه كلّها عوامل صنعت خصوصيّة الرجل، ومنحته محبّين وأعداء أيضاً. مع ذلك، فهو يقول: «أنا إنسان مثل بقية الناس».
غالباً ما يُشبّه الشاب عبدو بالمغني البريطاني المعروف بوي جورج، لجهة اشتراكهما في المثلية الجنسية. يقول عبدو: «كل واحد يمارس حياته بحسب اقتناعاته». إصراره على المجاهرة بهويّته، صبّ عليه غضب المحافظين الذين لا يتعبون من المطالبة بمنعه من الغناء في الأماكن العامة. لكنّ مدير الديوان الوطني للثقافة والإعلام، لخضر بن تركي، المشرف على «سهرات الكازيف» ومهرجاني «جميلة» و«تيمقاد»، ظلّ يدافع عنه قائلاً: «كلمات أغاني الشاب عبدو محترمة، ولا تحمل في مضمونها مساساً بالذوق العام». كذلك استطاع عبدو خلال السنوات الماضية أن يُنشئ ما يشبه التيّار، فجمع حوله مغني راي يسيرون وفق النهج نفسه، من بينهم النجم الصاعد هواري المنار (اسمه الحقيقي مداني هواري) الذي يعدّه بعضهم الابن الروحي لعبدو.


5 تواريخ

1970
الولادة في تلمسان
(شمال غرب الجزائر)

1982
بداية المشوار من خلال مرافقة المدّاحات في حفلات الزفاف

1997
أغنية «مادري مادري»

2003
ألبوم «بالاك» تصدّر قائمة المبيعات شهراً كاملاً في الجزائر

2010
يواصل مسيرته الغنائيّة بعد أن أصدر العام الماضي ألبوم «لو كان» مع الشابة الزهوانية