المنتجات الزراعية العضوية هي «أكل ذوات مش أكل النّاس العاديين». هكذا يعتبرها البعض في لبنان، إلا أن الواقع مختلف. فزبائن «العضوي» فلا يمكن الاستهانة بأعدادهم. المشكلة هي أن غالبيتهم تجهل حقيقة هذه المنتجات تماماً
نادين كنعان
بدأت الزراعة العضوية فعلياً في لبنان بين عامي 2001 و2002، بمشروع نظمته الجامعة الأميركية، بالتعاون مع وزارة الزراعة ومجلس الإنماء والإعمار، بهدف الحفاظ على البيئة ونشر فكرة الزراعة البيولوجية، عبر خلق آلية عمل وتسويق، سميّت «Healthy Basket».
حالياً، يؤكد خليل حدّاد، مدير شركة «Liban Cert»، وهي إحدى الشركتين المرخَّصَتين للمزارعين العضويين، أن في لبنان ما يزيد عن 255 مزارعاً عضوياً، يتركّز معظمهم في الشمال والجنوب. وأن المساحة المزروعة عضوياً في لبنان تصل في مجملها إلى ما يقارب 400 هكتار.
يجمع المستهلكون على أن السبب الذي يكمن وراء شرائهم المنتجات الزراعية العضوية يرتبط بخلوّها من المواد الكيميائية والمبيدات، التي تسبب السرطان. تعريف ليس في غاية الدقة بحسب المختصين، فهذا النوع من الزراعة يستعين أيضاً بالمواد الكيماوية، ولكن «ليس تلك المصنّعة منها، بل تلك العضوية»، كما يؤكد الزميل رامي زريق، أستاذ الهندسة الزراعية في الجامعة الأميركية في بيروت. ففي حين تُعالَج المنتجات المزروعة بالطريقة الصناعية بأكثر من ثلاثين نوعاً من المبيدات، لا تُستَخدّم في زراعة الأخرى العضوية أكثر من ستة أنواع. من ناحية أخرى، يشدّد اختصاصي التغذية، الدكتور نسيم خرّاط، على أن «المنتجات العضوية تحتوي على العديد من الفيتامينات والمعادن، بالإضافة إلى المواد المضادة للأكسدة، التي تساعد على محاربة السرطان. فضلاً عن الأحماض الدهنية الضرورية للجسم».
ميزات سرعان ما أدركها كثيرون، مثل المهندسة سمر الشعار، التي تملك مشروعاً للزراعة العضوية في بلدة عندقت، في عكار، والتي تلفت إلى وجود عثرة أخيرة تواجه القطاع، وتتعلّق بعملية التسويق، فكلفة إنتاج هذه الزراعات تفوق إلى حد بعيد كلفة الزراعات الصناعية، ما يضيّق من حلقة المستهلكين الذين يملكون القدرة الشرائية على استهلاكها، ناهيك عن طريقة الوصول إلى هؤلاء المستهلكين، خصوصاً الذين يسكنون منهم في المدن. مشكلة يبدو أن جار الشعار في عكار (ببنين تحديداً)، أبا ربيع، قد تجاوزها، فهو راضٍ جداً عن أسلوب التسويق الذي يتّبعه حتى الآن وعن عدد الزبائن الذين نجح في تكوينهم والحفاظ عليهم، خصوصاً وأنه يمتلك متجره الخاص في طرابلس ويصرّف بضاعته عن طريق «سوق الطيّب» و«Healthy Basket». وفعلاً، يؤكّد كل من كمال مزوّق، مؤسس «سوق الطّيب» ورانيا توما، مديرة «Healthy Basket» أن عدد زبائن هم في ازدياد مستمر، وخاصة بعد الكلام الذي تناقلته وسائل الإعلام كثيراً خلال الفترة الأخيرة، ويتناول عدم توافر السلامة الغذائية في لبنان. برأيهما، يدفع ذلك بعض الناس للتغاضي عن فارق السعر بين منتجات الزراعة العضوية وبين المنتجات التقليدية، رغم أنه فارق لا يستهان به، إذ يتراوح بين 20% و50%، فهؤلاء يؤثرون أن يدفعوا أكثر على غذائهم من أن يتكبدوا المبالغ ذاتها أو ما يفوقها لاحقاً لمداواة أمراض قد يصابون بها نتيجة تلوّث المنتج التقليدي.
من أجل إعطاء التراخيص والمراقبة، تعتمد الشركتان الخاصتان المعتمدتان في لبنان « LibanCert» و»IMC» على معايير القانون الأوروبي للزراعة العضوية الرقم 834/2007. ولكي تتحول التربة إلى عضوية، عليها أن تمر بفترة تحويلية مدتها ثلاث سنوات للأشجار المثمرة والمعمرة، وفترة سنتين للخضار. فترة قد تُختَصَر إلى عام واحد إذا استطاع المزارع أن يثبت أنه لم يكن قد عالج أرضه بمواد كيميائية منذ ثلاث سنوات قبل الرغبة بتحويلها، أو أنها أرض هشير (أي بور).
أما في ما يتعلق بالمراقبة، فتجري الشركتان زيارات فجائية للأراضي وتدرس عينات من التربة والمياه. يصرّ المزارعون على ضرورة إقرار قانون الزراعة العضوية اللبناني من أجل حمايتهم وحماية المستهلك في الوقت عينه، وعلى ضرورة تنظيم عملية مراقبة الإنتاج والأسعار. وفي هذا الإطار، كان وزير الزراعة اللبناني، حسين الحاج حسن، قد أعلن أنه رفع إلى مجلس الوزراء قانوناً خاصاً بالزراعة العضوية، يقوم على إنشاء هيئات رقابية تمنح شهادات للمزارعين العضويين، واعداَ بإقراره قريباً.
تعتبر الشعار أن الهدف الأساسي للزراعة العضوية هو أن تكون لكل الناس وليس للبورجوازيين منهم فقط. كما يؤكد زريق أن التحدي الأكبر أمام وزارة الزراعة يكمن في نقل المنتجات الزراعية العضوية من النخبة إلى عامّة الشعب، فيما يرى الحاج حسن أن الأمر مستحيل، في ظل طلب كثيف وكميات عرض قليلة. ربما يكمن الحلّ في مضاعفة الإنتاج العضوي ودعم الدولة لمزارعيه.