سعاد طانيوس أبو رحالافتقدك جبل الشيخ يا عساف في يوم التجلّي. منذ 10سنوات وأنتَ ترى الصعود إلى الجبل أمراً مقدساً. ولكن، هذا العام لم تصعد إليه، بل ذهبت بدمك إلى مكان آخر، إلى جنوب آخر. عرفت جنوبك الغالي شبراً شبراً. مرتفعات كفرشوبا تناديك، وشبعا والعديسة. إنّ أصدق كلمة قيلت فيك هي: يا حارس الحدود. لم تذهب لتغطّي المناسبات العادية، بل ذهبت إلى وجع الناس الذين كنتَ تشعر بهم، وإلى ساحات المعارك. كنتَ تقول لي إنّ أجمل لقب أحبه أن أكون مراسلاً عسكرياً، وتحقق لك ما تريد. لكن دفعت دمك الغالي في سبيل هذه الحدود التي عشقت. يا رفيق عمري يا نور عيني الذي انطفأ، الناس تبكيك وكذلك الحجارة. يا صاحب اللسان الدافئ والعقل الراجح والطبع الهادئ. لم تكدّرني يوماً. كنت رفيقتك في كل عمل، ربّينا أسرتنا المتواضعة بالتعب وعرق الجبين. كنتَ تبحث عن الأعمال الشاقة، لم تعرف الراحة يوماً. أفتقدك في كل شيء. كيف لا وأنتَ من اصطحبني في كل رحلات الشقاء. كنا نبحث معاً عن موضوع تكتبه للجريدة. نذهب إلى قطاف الزيتون الذي أحببت، وأنتَ تعرف كل شجرة، وتعاملها كفلذة كبدك. لبسنا قناع «وجه النحل» معاً، وعرقنا معاً. كنتَ تحب هذه المملكة، وتقول لي مهنة تربية النحل مملكة قائمة في حدّ ذاتها. إن فقد القفير ملكته فقد كل شيء، وأنتَ ملك هذه العائلة التي افتقدتك. لا أجرؤ على أن أفتح خزانتك وأرى ثيابك فيها. لم أستوعب هذه الفكرة المؤلمة بعد. أراك تدخل هذه الغرفة وتجول في بيتنا المتواضع. علّمتني كل شيء في هذه الحياة الصعبة. أحببتَ المقاومة وسلكت درب الجلجلة. كرهت الإسرائيليين وهم الذين قتلوك. أتخيّلك تقول كما قال السيد المسيح: يا رب أبعد عني هذه الكأس إن أردتَ، ولكن لتكن مشيئتك. أحببت الشهادة وسعيت إليها.
ألا تريد أن تشرب قهوتك الصباحية يا مبدع الأفكار؟ تعلمت ومارست كل المهن. لم تولد وفي فمك ملعقة ذهب. عشت الفقر وأحببته. علّمت أولادك وأوصلتهم إلى حيث تريد. نَمْ قرير العين حيث لا وجع ولا تنهّد. ولتكن روحك في السماء مع أرواح الصدّيقين الراقدين.
أتوجه بالشكر إلى كل من شاركنا مصابنا الأليم، إلى أسرة جريدة «الأخبار» وكل الشخصيات السياسية والروحية والاجتماعية والثقافية، والذين أحبوك وجاؤوا من بعيد ليباركوا لنا هذه الشهادة المقدّسة.