strong>محمد محسنلا تكاد خزائن بيته تتسع للدروع التقديرية والمجلات الرياضية. العالم عنده مختصر بكرة قدم. شبَّ وشاب على فنونها. لكنّ كلّ هذه الدروع لا تستطيع أن تختصر تجربة مدرب فريق «الأنصار» السابق عدنان مكداش الذي اشتهر أكثر بلقبه عدنان الشرقي. يصعب على «الحاج عدنان» الفصل بين أي مرحلة من مراحل حياته، وبين اللعبة الأكثر شعبية في العالم. «كان قدري أن أولد في بيت رياضي»، يخبرنا. قصته قصة ذاك الطفل الذي احتضنته رمال بيروت لاعباً بقدمين طريّتين، قبل أن يرفع كؤوس البطولات في الملاعب الأولمبية اللبنانية. عام 1950 كان في السابعة من عمره، يمضي وقته بين كرات وبذلات فريق «النهضة» الذي كان أخوه خليل مسؤولاً عن تجهيزاته. أمّا أخوه منير، فقد كان إدارياً في «نادي الأنصار» وأحد الذين أسهموا في الاستحصال على ترخيص رسمي له. هكذا، بدأت حياة الشرقي في كنف عائلة تعشق الكرة. حينها، كانت نشاطاته الكروية محصورة بمساعدة أخويه، أو الذهاب في بوسطة «نادي الأنصار» لمشاهدة مبارياته.
لم ينتظر طويلاً حتى أدرج اسمه على اسمه لائحة التشكيلات الرسمية. البداية كانت في مدرسة «البر والإحسان» حيث اختير للعب ضمن منتخب المدارس، في إطار التبادل الثقافي بين لبنان والمجر. سبقت ذلك بداية الرحلة مع «الأنصار»، لكن في فريق الأشبال الذي تأسس في تلك الفترة، وتعهّد كل لاعب في فريق الراشدين بتكفل لاعب من الأشبال وتدريبه.
نزل الشرقي إلى الملعب وكان عمره 14 عاماً. وعندما بلغ السادسة عشرة، صار لاعباً أساسياً في تشكيلة الفريق ومدرّباً لفريق الأشبال. ورغم صغر سنه، حاز شهادة مدرّب بعد خضوعه لدورة مدربين نظمّها قطاع الشباب والرياضة في «جامعة الدول العربية» في القاهرة. ثمّ كرّت السبحة. صار عدنان الشرقي أول لاعب من أندية الدرجة الثانية يتمّ اختياره ضمن تشكيلة المنتخب اللبناني.
بعد شهر قضاه مع نادي «النجمة»، عاد الشرقي إلى «الأنصار»... بقي في النادي مدرباً ولاعباً منذ عام 1967، واستمرّ في التدريب حتّى عام 2004... حصد خلال تلك السنوات 25 بطولة، وتأهل بـ«الأنصار» إلى مراتب متقدّمة في بطولات الأندية العربية والآسيوية.
تخرّج الشرقي من مدرسة «البر والإحسان»، ودفعه حبه للرياضة إلى الالتحاق بـ«كليّة التربية الرياضيّة في الهرم» في «جامعة حلوان» (القاهرة) حيث درس سنة واحدة. لم يكمل «بسبب ظروف عائلية بعد وفاة الوالد وأخي الأكبر». لاحقاً، نال إجازة في إدارة الأعمال من «جامعة بيروت العربية»، وعمل موظّفاً في وزارة الدفاع اللبنانية. لكنّ الوظيفة، وزواجه، ثمّ إنجابه لولدين، صبيّة وشاب، لم تحل بينه وبين شغفه الكروي. يروي الشرقي ضاحكاً كيف لم يستطع التفرغ لتربية ولده في سنواته العشر الاولى «الحاجة زوجتي ربّته. أما أنا فكنت منهمكاً بالفوتبول»، يقول بلهجته البيروتية.
انشغاله بكرة القدم لم يقتصر على الملعب فقط... أكثر الشرقي من الدورات التدريبية على الطب الرياضي والتقنيات الكروية في غير نادٍ من الأندية العالمية. قد يستغرب كثيرون حين يعرفون أنّه خريج دورات مع أندية «جوفنتوس» الإيطالي، و«أرسنال» الإنكليزي، و«باريس سان جرمان» الفرنسي... إضافةً إلى حضوره في تدريبات الفرق الكبرى خلال البطولات العالمية، ككأس الأندية الأوروبيّة. في هذه التدريبات، لا يكون الشرقي متفرجاً عادياً. يذهب «نحو كل ما هو جديد في كرة القدم العالمية، أستفيد منه كثيراً»،. فهل يطبق ما يراه أثناء تدريباته المحليّة؟ يفاجئك بالنفي... تسأله ما الفائدة منها إذاً؟ يشرح الشرقي: «هناك تتعلم نظريات جديدة، وأنت تملك خبرتك في الملاعب. عليك أن تجمع بين ما تعرفه وما تتعلمه لتقدّم ما يتلاءم مع أوضاع الكرة اللبنانية وظروفها».
في أحد المعسكرات التدريبيّة في كوريا الجنوبية، لم يصدّق المدرب الكوري أن عدنان الشرقي مدرب لبناني. راهنه على أنّه ألماني، فطريقته في ضبط الفريق وتنظيمه تؤكّد أنّه من ذاك البلد الأوروبي. لم يتأكد إلا بعدما شهر الشرقي جواز سفره.
يستغرب كثيرون شخصية الحاج عدنان خارج الملعب. ثمّة فارق كبير بين رجل الملعب والرجل في حياته اليوميّة. أثناء التمرينات، والمباريات، ومعسكرات التدريب الكثيرة التي خاضها مع «الأنصار» خارج لبنان، يبدو الرجل ديكتاتوراً عادلاً... لا يدخل الشخصنة في الرياضة «الانضباط ثم الانضباط في الملعب». أمّا بعد المباريات «فاللاعبون أبنائي وأحبتي».
إضافة إلى أعماله الكثيرة، دخل الشرقي مهنة المتاعب من بوابتها الرياضية. تأثّر بالمجلات الفرنسية التي كان يشتريها في طفولته. «كنت أشتريها من فرنسا عبر البريد، أو من مكتبة «روكسي» التي كانت في ساحة البرج». على مدى ربع قرن، عمل في جريدة «المحرر» اليومية، و«مجلة الوطن الرياضي» الشهرية، مسؤولاً عن صفحة كرة القدم الدولية. فتحت له الصحافة بوابة اللقاء مع لاعبين عالميين، فأجرى لقاءات مع بيليه، ومارادونا، ودينو زوف وجيوفاني تراباتوني. لكنّه رغم ذلك، بقي متعلقاً بالكرة اللبنانية وحصد كؤوسها، خصوصاً مع جيل يعتبره الأفضل «جيل عبد الفتاح شهاب، وعصام قبيسي، وفادي علوش، ومحمد مسلماني».
يتحسّر الشرقي على ضياع الكرة اللبنانية في خانة المذهبية والمناطقية والإهمال. ينطلق من خبرته ليؤكد أنّ «المهارات واللياقة البدنيّة موجودة عندنا... لكن ينقصنا أمران: الإمكانات والوضع المستقر، وهما للأسف غير متوافرين». ثمّ يسرّ إلينا: «أنا خائف على مستقبل الكرة اللبنانية». قلق يحمّل مسؤوليته للزعماء السياسيين. «على كل واحد منهم ضبط جماهيره ومنعها من شتم الرموز. نختلف على كرة القدم، هذا طبيعي لكن من العيب أن نشتم بعضنا بعضاً». حالياً، استقال الشرقي من كل مهماته الكروية، إلا من السفر لمتابعة البطولات العالمية. يقضي معظم وقته في المنزل، وفي زيارات لأصدقاء الطفولة القلائل. يقرأ الشعر المقفّى الذي يعشقه، ويتذوق فنون الرسم والموسيقى، فهي بنظره «ليست بعيدة عن كرة القدم... كلها إبداع وفنون».


5 تواريخ

1943
الولادة في بيروت

1957
أول مباراة رسمية له مع «الأنصار»

1970
دورات تدريبية في الأندية العالمية استمرّت حتى منتصف الثمانينيات

2004
اعتزل التدريب الكروي

2010
يتفرّغ حالياً للمطالعة ومتابعة الموسيقى والفنون