ضاق ذرع بعض الشباب اللبنانيين بالجور المنتشرة على طرقنا، فعبّروا عن ضيقهم من خلال أكثر الأدوات شيوعاً، الإنترنت، وبأسلوب ساخر ومرح رغم الأسى الذي يشوبه، لاقتناعهم بأن التظلّمات البيروقراطية المرهقة والمملة التي كان أهلهم يعتمدونها لا تفضي، في الغالب، إلى نتيجة

جوانّا عازار
«أثبتت الدراسات العلميّة أنّ القمر كان مسكوناً من لبنانييّن، والسبب في ذلك أنّ تضاريس سطحه تشبه، إلى حدّ كبير، الحفر على الأراضي اللبنانيّة». هذه هي الخبرية «النهفة» التي ابتدعها الشاب إيلي أبو صعب، حين أطلق، منذ أقلّ من شهر تقريباً، موقعاً إلكترونيّاً وصفحة على موقع فايسبوك تحت اسم «جور»، بهدف إتاحة مساحة لـ«فش الخلق» ولتوثيق الجور على مختلف الأراضي اللبنانيّة على نحو علمي ودقيق، في خطوة «تسعى إلى توعية المواطنين على مخاطر الجور، وتحثّ المسؤولين على معالجتها» كما يقول.
«الإنترنت، إن كان موقعاً إلكترونياً أو صفحة على فايسبوك، هو الوسيلة الإعلاميّة الأكثر انتشاراً بعد التلفزيون في أوساط الشباب، والأكثر سرعة في إيصال الفكرة»، كما يقول أبو صعب، مضيفاً: «الهدف من الموضوع برمّته هو توعية المواطنين على أمر بات من صلب يوميّاتهم ويصادفونه مراراً على الطرق دون أن ينتبهوا إلى أنّ جورة واحدة ممكن أن تسببّ مقتل أفراد أو أن تحدث أضراراً في السيّارة أو تؤدي إلى وقوع حوادث سير غالباً ما يسبّبها الهروب من الوقوع في الجور». وإن كانت مقاربة الموضوع سلسلة و«مهضومة» وبكثير من المزح، إلا أن الشباب المشاركين في الموقع وفي الصفحة يدركون تماماً أن الموضوع ليس مزحة، كما يؤكد أبو صعب، فـ«الموضوع بيبكّي بس نحنا ما بدنا نبكّي العالم»، كما يقول، مضيفاً «أردنا أن نجعل الصور تتكلّم، فعدد الجور هائل في لبنان، اعتدنا عليها، فأصبحت أمراً طبيعيّاً، نحن نلفت النظر إليها في بادئ الأمر، وخصوصاً أنّها غير موثّقة. هدفنا الآن هو إنشاء بنك معلومات عنها، فبعد أن نكتشف الجور ونحدّد موقعها ومكانها سنقدّم المعلومات المتوافرة لدينا إلى وزارة الداخليّة والبلديّات وإلى وزارة الأشغال، ليعالجها المعنيّون، وعندها لا يبقى للمختار أو لرئيس البلدية أو للمسؤول عن أي منطقة المبرّر لعدم معالجة الموضوع. نحن لا نحارب بذلك المسؤولين، بل نساعدهم» كما يؤكد، مشيراً إلى أنّ الهدف هو العمل معهم للوصول إلى طرق أفضل. فـ«هدفنا لفت النظر، ولنقوم بذلك، نقترح أن نضع يدنا بيد المسؤولين للمساهمة في الحلّ. فإلى جانب فرض حزام الأمان والتشدّد في معاقبة مخالفي قوانين السير وفرض سرعة قصوى للقيادة، المطلوب معالجة مشكلة الجور بالتوازي».
أبو صعب، الذي نشط لثماني سنوات متطوّعاً في الصليب الأحمر اللبناني، وقبلها لمدّة 14 عاماً في الكشافة، يكمل مسيرته اليوم في العمل الاجتماعي والتنموي من خلال شركة CreaPix للإعلانات والتصميم التي يديرها والتي نفّذت المشروع وما يتعلّق به من تسويق وتصوير وتصميم إلكتروني، والشعار الذي اتّخذه هو كلمة «JOUWAR» مكتوبة بالأحرف اللاتينية وحرف «O» فيها عبارة عن دولاب سيّارة يقع في جورة. أبو صعب بالتعاون مع فريق العمل في الشركة، يؤمنون بالمقولة الشائعة «لا تسأل ما قدّمه بلدك لك، بل ابحث عمّا يمكن أن تقدّمه لبلدك»، ولذلك تخصّص الشركة 15% من وقتها لعمل اجتماعيّ تخدم من خلاله قضيّة معيّنة، «لإحداث تغيير بعيداً عن النقّ». فعلى الصفحات المخصصة للمشروع، ممنوع التحدّث في السياسة «لأنه مشروع اجتماعي لا علاقة له بالسياسة لا من قريب ولا من بعيد».

هدفنا إنشاء بنك معلومات يوثّق الجور لمساعدة المعنيين في إصلاحها
ورغم أنّ المشروع لا يزال جديداً، إلا أنّ صفحة فايسبوك الخاصة به قد جذبت حتّى الآن أكثر من 300 عضو، ينشطون في تصوير الجور وعرض الصور على الصفحة، فضلاً عن كتابة التعليقات عليها. ناجي حدّاد مثلاً أضاف على الصفحة صورة لجورة وُضع فيها كرسيّ كي يتجنّبها المواطنون وأضاف عليها التعليق الآتي بالإنكليزية: «أهلاً وسهلاً في لبنان، تفضّل بالجلوس». رغيد نعيمي يحذّر هو الآخر من جورة في «نصف شارع مونو» كما يقول، فيما يشير ألان عقل إلى جورة «ع طلعة الجسر من برج حمّود للأشرفيّة»، مضيفاً: «هييّ مش كبيري بس فعلها كتير كبير».
قريباً يطلق القيّمون على المشروع مسابقة لم تحدَّد بعد شروطها بالكامل، بل فكرتها تقضي بتصوير الجور في قالب جديد للفت النظر إليها، أي «بطريقة مهضومة» كما يصفونها، على أن يحصل الرابحون على جوائز بالمقابل.
في النهاية، هل ممكن أن نحلم بلبنان دون جور؟ «اعتدنا على الجور، تجعلنا نسير في مدينة ملاه متحرّكة على الطرق، إذا اختفت فسنفتقدها» يجيب أبو صعب ممازحاً، ليضيف: «ليس بالأمر السهل أن يصبح لبنان دون جور، لكنّ الأهمّ أن تختفي الجور على الأقلّ عن الطرق الرئيسيّة والأوتوسترادات».