طرابلس ــ فريد بو فرنسيسهذه ليست حال ماهر (9 سنوات) الذي نزل باكراً إلى سوق «الكندرجية» على خلفية «بدنا نشتغل حتى نطلّع مصاري تنعيش»، كما يقول. الفتى ليس واعياً بما يكفي ليدرك خطورة ما يقوم به، وما معنى أن يترك المدرسة في هذا العمر الصغير، حتى لو تمكّن يوماً من فتح محلّ خاص به كيف سيديره وهو شبه أُمّي؟ لكن يبدو أنّ ماهر هو المعيل الوحيد لعائلته بعد وفاة والده، وهو يمتهن حرفة تكاد تنقرض، أيّ «تصليح» الأحذية القديمة، لقاء أجر لا يتعدّى 10 آلاف ليرة في الأسبوع الواحد. يقول صاحب المحل الذي يعمل فيه ماهر «المفروض أن يدفع لنا، نحن نعلّمه مصلحة تكسبه ذهباً». أما الشروط الصحية التي تحميه من مخاطر العمل، فغائبة كلياً، حيث إنّ أيّ خطأ يحصل في آلات «الدرز» والخياطة والحياكة، يمكن أن يُفقده أحد أصابع يديه. مع ذلك، تسهم قلّة الوعي لدى الأهل مرّات عدّة في تسرب الأولاد من المدرسة وهم دون السابعة من العمر. عماد مثلاً ترك المدرسة منذ سنوات على حد تعبيره، وهو يعمل حالياً في أحد معارض السيارات في باب الرمل. يعشق الفتى العمل ولا يتعب من غسل السيارات يومياً. يقول: «لا أحبّ المدرسة، شو بدو ييجينا من التعليم!». يبدو مقتنعاً بأنّ «والدي لم يعد باستطاعته تحمّل مصاريف تعليمي، لذلك أعمل وأتكل على نفسي، من شان طلّع مصروفي وساعد إخواتي».
الصيف عند هؤلاء الصغار هو موسم للعمل لا للمرح
هكذا، يقيم في الأحياء الفقيرة في مدينة طرابلس عدد كبير من العمّال الصغار، الذين لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات. وإذا كان البعض قد هجر المدرسة إلى اللاعودة، وانغمس في سوق العمل، فلا يزال البعض الآخر يتابع تعليمه بصعوبة بحيث يوفّق بين العمل والعلم، لتوفير مدخول يساعد عائلته الفقيرة.
وفي كلتا الحالتين، الصيف عند هؤلاء الصغار هو موسم للعمل لا للمرح، فلا مخيمات صيفية ولا مشاريع ترفيهية ولا أيام عطل أو إجازات. الأطفال في تلك الأحياء المنسيّة لم يتعوّدوا اللعب الممنوع كما باقي الأطفال في المناطق المجاورة. تراهم يتوزّعون على محالّ الألبسة وإصلاح الأحذية وحدادة السيارات والأفران والملاحم. هم يمضون صيفيّتهم في الشقاء غير عابئين بالظروف التي يعملون فيها. لا يعترضون على الأجور الزهيدة التي غالباً ما يبرّرها أصحاب المصالح بالقول: «عندنا يتعلّم الطفل مصلحة يعتاش منها وتدر عليه المال في ما بعد». وفي هذا الإطار، يؤكّد بلال، صاحب محل حدادة وبويا للسيارات أنّه «لا يحق للعامل الصغير المطالبة بأجر مقابل ما يقوم به حالياً، ما عدا البقشيش من الزبائن!».