جوّ من المرح يلفّ القاعات التي ينفَّذ فيها برنامج «سينارك» المتخصّص في تعليم اللغة العربية للأجانب في الجامعة اللبنانية الأميركية. هناك، يعود بعض المغتربين لتعلم لغة الأجداد، بينما يأتي الأجنبي مدفوعاً بفضول تفاقم بعد أحداث 11 أيلول للتعرّف إلى الآخر، لغته وثقافته
رنا حايك
«رجل أحلامي طويل كالبناية، عضله مثل الصخر، عيونه خضراء مثل الكوسى. في حياتي، هو ضرورة مثل الحلويات بعد الغداء». «أخلاقه عالية مثل القمر، وسريع مثل البريد الإلكتروني. مشهور مثل النيل، وحارّ مثل الشرق الأوسط». «حبيبي تامّ مثل الأمم المتحدة، عاطفي مثل السّكر، وذكي مثل الرئيس». ليست تلك العبارات من نتاج شعراء المرحلة الدادائية، ولا من قصائد السورياليين. أصلاً، لو كان قد أتيح لمؤسس المدرسة السوريالية، الشاعر أندريه بروتون، أن يسمعها، لكان بالتأكيد قد رحّب بانضمام طلاب المرحلة المتقدمة من صفوف اللغة العربية في الجامعة اللبنانية الأميركية إلى حركته. فتلك كانت عيّنات من قصائد نظمها الطلاب ضمن مسابقة شعرية عن وصف فتى وفتاة الأحلام، وعد أستاذهم، هشام عبد الخالق، بتقديم منقوشة على حسابه لمن يربحها. وفعلاً، في نهاية الصف، وبعد إلقائه القصائد في جو من المرح سرى بين طلابه، انتخب عبد الخالق، الذي يعلّم العربية صيفاً في»LAU» وشتاءً في جامعة مينيسوتا في الولايات المتحدة، القصيدة الرابحة، وفيها يصف الطالب فتى الأحلام قائلاً: «هو طويل مثل شجرات كاليفورنيا، قوي مثل ثور إسباني، طيب مثل فاكهة مكسيكية، ذكي مثل مهندس هندي، شعره لامع مثل الزيت السعودي، ويلبس ملابس داخلية مثل الحرير الصيني». وبما أن الصف المذكور يتضمن طلاباً قطعوا شوطاً في مراحل الدراسة وأصبحوا في مرحلة متقدمة منها، فمن غير المستهجن أن تتضمن قصائدهم بعض الومضات الشعرية. فهي، وإن بدأت بـ«حبيبي مثل كل الألوان، بني مثل الفلافل، أخضر مثل الفلوس التي أصرفها في الجميزة، أبيض مثل اللبنة»، إلا أنها قد تنتهي بجملة مثل «حين يسقط الغبار عنها، حبيبتي هي بيروت».
بعضهم قد يحاول أيضاً نظم سجع مثل «أفكّر فيك كل ليل، وأريد أن أرسل لك حبي في الإي ميل (email)» أو «حبيبتي عندها مخ كالبوم وقوة كالدب، كلماتها طيبة ولكن بتسبّ». إلا أن المرح الذي يتخلّل صفوف اللغة العربية في «LAU» لا يفسد «للعلم قضية»، بل بالعكس، هو الإطار المثالي لاكتساب، ليس اللغة فحسب، بل الثقافة المتعلقة بها التي تمثّل أبوابها الخلفية. فبحسب المدرّسة وفاء عبد النور، تكمن ميزة البرنامج في أنه «يبتعد عن التلقين ويرتكز على اعتماد المنطق والفهم لاستيعاب اللغة العربية، ومن ورائها الثقافة العربية، وخصوصاً أن معظم الطلاب ليسوا من أصل عربي، وقد ازدادت أعدادهم بعد أحداث 11 أيلول انطلاقاً من قاعدة أن الإنسان عدو ما يجهل. حماستهم للتعلم رهيبة، تجعل من تدريسها لهم مهمة ممتعة».
فرغم إجماع الطلاب على صعوبة لفظ حرفي «ج» و«ع»، إلا أنهم يجمعون أيضاً على محبة اللغة العربية التي كانت كلمة «باب» أول ما تعلموه منها. بعضهم يتقن الفصحى لكن يحاول تطوير تمكّنه من العامية (وهي صف إجباري أيضاً ضمن البرنامج)، مثل سامانتا الأميركية، طالبة العلاقات الدولية، وصوفيا عازار، التي ترغب في التواصل بالعامية مع عائلتها في لبنان.

بجانب سلسلة المحاضرات عن قضايا الشرق الأوسط، تضاف الترجمة قريباً إلى مناهج سينارك

حالياً، يتابع البرنامج في دورته الصيفية مئة وستة وأربعون طالباً في مختلف المراحل. منهم من هم من أصول لبنانية ويبحثون عن التواصل مع الجذور، مثل إميلي أبو حلقة، التي ولدت وعاشت في الولايات المتحدة، ومنهم من يشبعون فضولهم للتعرف أكثر إلى اللغة العربية، مثل التركية زينب غوكسيل (ابنة الناطق الرسمي والمسؤول السياسي السابق للقوات الدولية في لبنان، تيمور غوكسيل)، أو من يرمون لتطوير مواقعهم الأكاديمية والمهنية من خلال دراستها، مثل روث، الموظفة في الاتحاد الأوروبي، التي تستسهل تعلّم العربية لأن «لغة بلادي سامية أيضاً لكن تكتب بالأحرف الرومانية. فالأرقام في مالطا، وأسماء أعضاء الجسد، والعائلة (مثل أمي، أختي) هي ذاتها في العربية». أو مثل
لورين خاطر، طالبة العلوم السياسية في الولايات المتحدة، التي تجري بحثاً حول العلاقة بين الدين والعنف والسياسة. وقد التحقت بالبرنامج لتطوير أدواتها البحثية، إذ إن «إتقاني العربية سيمكّنني من مراجعة المزيد من المصادر، ومن الوصول أكثر إلى الناس».
إلى جانب فصلين في الصيف وفي الخريف، تستحدث LAU العام المقبل فصلاً في الربيع، ومواد جديدة اعتمدت منذ الآن «كدمج الفصحى بالعربية، وسلسة محاضرات عن قضايا الشرق الأوسط في القرن 21، بالإضافة إلى العروض الحيّة في الصفّ لإعداد طبخات لبنانية» كما تقول مديرة البرنامج، ميمي جحا، معلنة إدراج الترجمة قريباً في المنهج