روايات عن اغتيالات وإفادات وتهديداتأجراها: رضوان مرتضى
ينزل الرجل إلى عنبر المواجهة باحثاً باستغراب بين الوجوه القليلة الموجودة عن وجهٍ مألوف بينها. فقد مرّت السنوات الأربع الأخيرة لاحتجازه من دون أن يزوره أحد. لم يتعرّف إلى أيٍّ من الموجودين، لكن أحد نزلاء السجن أشار له بأن «ذلك الشاب يسأل عنك». يقترب بخطوات حذرة من الإنترفون ليرفع سمّاعته من دون أن تُفارق عيناه عيني الشاب. يكسر الأخير حاجز الصمت معرّفاً نفسه بأنه صحافي، فيبقى السجين على صمته لبرهة قبل أن يقول: «انتظرت كثيراً لأقابل أحدكم، لديّ الكثير من الكلام لأقوله لكم». يسأله الصحافي عن حقيقة ما جرى خلال المواجهة التي حصلت الاثنين الماضي بينه وبين اللواء علي الحاج، فيجيب مفتتحاً كلامه بالقول: «أطلب اللجوء إلى أي دولة؛ لأنني سأُعدم في سوريا إذا أعادوني إليها»، قال أكرم شكيب مراد (سوري الجنسية، مواليد 1957) عبارته هذه بارتباك، نافياً الكثير من الكلام الذي نُسب إليه. وتحدّث عن مجموعة أمور تتعلّق بكيفية توقيفه و«الاعتراف» الذي أدلى به، بالإضافة إلى مواجهته الأخيرة مع اللواء الحاج في حضور القاضي ماهر شعيتو، فضلاً عن شرحه لقصة التسجيل الصوتي الذي نشرت الزميلة «السفير» مضمونه (عدد 9 آب 2010). ينفي ثم يُثبت ما يحلو له من معطيات كان قد أدلى بها.
ربما كان نفيه وإثباته خاضعين لمزاجه الذي يتغيّر بين حين وآخر، وفق ما تبيّن إثر «اعترافه» الذي تراجع عنه «بسبب تبدّل في المعطيات لديه» بحسب أحد المسؤولين المطّلعين على التحقيق. بينما قد يكون النفي والإثبات نابعين من رغبة في دحض شائعات عن اعترافات نُسبت إليه، وهو بريء منها.
قبل مدة، عرض شاب من منطقة عاليه الشريط نفسه للبيع في سوق الإعلام. جرى الاتصال بـ«الأخبار» وطلب الوسيط مبلغ 25 ألف دولار، ثم بدأ ينزل إلى أن وصل إلى سبعة آلاف دولار. في هذه الأثناء، كان الوسيط يعرض أقل من نصف دقيقة من الشريط المذكور بصورة تعرض عملية مونتاج تمنع استخدامه. لكن مراد الذي فشل على ما يبدو في تسويقه مباشرة أو من خلال الوسيط، قرر تعديل روايته.
في المرة الأولى، قال إنه سجل الشريط واتهم فيه مروان حمادة وفارس خشان لأنه أراد أن يبتز حمادة وفريق 14 آذار كي لا يسلموه إلى سوريا. لكنه قرر أمس أن يقول شيئاً آخر. هو يخشى إعدامه إذا وصل إلى سوريا، لكنه قرّر تقديم رواية أخرى للتسجيل. أكد مراد أن الصوت الموجود في التسجيل هو صوته، لكنه يضيف أنه «سجّل بناءً على طلب من سمر الحاج، زوجة اللواء الحاج التي وعدتني بأنني سأخرج من السجن إن قمت بذلك».
كذلك تحدّث «الشاهد» المدعى عليه عن «ضغوط كثيرة» تعرّض لها داخل السجن، مشيراً إلى «أن حياته مهددة»، لكنه أكد أنه ليس خائفاً. وادّعى كذلك أن «اللواء الحاج هدّده مرّتين بالقتل»، مدّعياً أن «سمر الحاج اتّصلت به أكثر من مرّة لتساومه على الإفادة التي تقدّم بها، وعرضت مبلغ مئة ألف دولار وتذكرة سفر إلى الخارج مقابل تراجعه عن إفادته». أمّا عن حقيقة ما نقله اللواء الحاج عمّا جرى خلال المواجهة التي جرت بينهما أمام القاضي ماهر شعيتو لجهة قوله إن «أكرم مراد قال إنه سيُقتل إذا قال الحقيقة»، فشرح مراد أن اللواء الحاج قد يكون من بين «الذين يتربّصون به». وذكر أن الضغوط التي يتعرّض لها دفعت به إلى محاولة الانتحار عبر قطع شرايين يده، مشيراً إلى أن أحد الضبّاط «استجوبه مراراً، محاولاً سحب المعلومات» منه لمصلحة جهة معروفة من دون أن يسمّيها، وأن الضابط المذكور «هو نفسه الذي أرسل لي السكين لأضرب بها يدي».
يذكر أن أكرم مراد دخل السجن في نيسان 2004 بعدما حُكم عليه بالحبس بجرم تعاطي المخدرات والاتجار بها.
وتحول مراد إلى «شاهد» في جريمة اغتيال الحريري خلال وجوده في السجن، حين روى للمحقق العدلي القاضي إلياس عيد، في شباط 2007، أنه خلال وجوده في مقر العميد رستم غزالة في عنجر في آذار 2004، سمع حواراً كان يدور في الغرفة المجاورة بين العميد غزالة

سمع عن تفخيخ الـ«ميتسوبيشي» في الضاحية الجنوبية

حكم عليه بالحبس بجرم تعاطي المخدرات والاتجار بها في نيسان 2004

اتهم النائب مروان حمادة والصحافي فارس خشّان ليخلّص نفسه من كثير من المشاكل في سوريا
واللواء الحاج عن تفجير يجري الإعداد له. وذكر أن مدير الاستخبارات السورية، اللواء آصف شوكت، الذي وصل إلى المكان بسيارة الـ«ميتسوبيشي» التي استخدمت لاحقاً في اغتيال الحريري انضم إلى الاجتماع. وأضاف مراد أن شخصين ملتحيين، اسم أحدهما أبو هادي، التحقا بذلك الاجتماع. وقال إنه سمع المجتمعين يتحدثون عن تفخيخ الـ«ميتسوبيتشي» في الضاحية الجنوبية. لكنه نفى أن يكون قد ذكر أن أيّاً من المجتمعين ينتمي إلى حزب الله.
أما عن كيفية توقيف القوى الأمنية له، فقد روى مراد «أنه هو من اتصل بفرع الاستقصاء في قوى الأمن الداخلي ليبلغ عن نفسه بأنه تاجر مخدرات، وأعطاهم مواصفاته وأخبرهم أنه موجود في محلة شاتيلا. وقد تعمد أن يضع في جيبه أربعة غرامات من الهيرويين، كل غرام على حدة، ليظهر كأنه تاجر مخدرات».
ولماذا فعل ذلك؟ يجيب مراد بأنه «كان مكلّفاً تنفيذ عملية اغتيال لا يريد القيام بها، فأراد الدخول إلى السجن ليهرب منها». ثم أضاف «أنه سبق أن نفّذ عام 1989 جريمة اغتيال».
كرّر أكرم مراد «أن جهة ما قد تصفّيه داخل السجن»، لكنه شدد على أنه يريد مقابلة رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن «على وجه السرعة لأن هناك أموراً خطيرة» يريد إخباره بها.
المعلومات التي أدلى بها مراد لـ«الأخبار» لا تخفي الارتباك الذي ظهر جليّاً في جميع الروايات التي نقلها. ويذكر مسؤول قضائي متابع لملف مراد أن الأخير «يعيش تخبّطاً كبيراً، وهو يذكر معلومة مناقضة للمعلومة التي سبق أن قالها، وما إن تواجهه بها حتى يعود ويؤكّدها». ويذكّر المسؤول القضائي باعتراف مراد الذي ادّعى فيه أنه شاهد «الميتسوبيتشي» في عنجر قبل سبعة أشهر من تاريخ سرقتها من اليابان.
في سياق موازٍ، ذكر أحد المتابعين للملف أن مراد «يناور للحصول على لجوء سياسي»، لافتاً إلى أنه أرسل التسجيل الذي اتهم فيه النائب مروان حمادة والصحافي فارس خشّان ليخلّص نفسه من كثير من المشاكل في سوريا، في حال تسليمه بناءً على مذكرة الاسترداد التي صدرت بحقّه.


ردّ