كان لا بدّ من لقاء رئيس مجلس الجنوب، قبلان قبلان، بعد تلك الجولة التي قامت بها «الأخبار» في ما يخص ملف تعويضات تموز. كان لا بد لقبلان من أن يضع النقطة في آخر السطر. قبلان، الذي كان لـ«الأخبار» معه هذا اللقاء، لفت إلى أن «236 ملياراً و749 مليوناً و643 ألفاً و601 ليرة لبنانية، هو مجموع ما لم يُدفع للمتضررين من حرب 2006، البالغ عددهم ما يقارب 48 ألفاً و952 متضرراً
راجانا حمية
4 سنواتٍ كاملة مرّت، وما زال بعض المتضررين... متضررّين. لم تُقفل ملفات تعويضاتهم إلى الآن، أو لم تُفتح بعد. لا فرق هنا بين الإقفال والفتح، فالحق في كلتا الحالتين لم يُحصّل. لكن، مقابل هذا الحق المعلّق، ثمة حقوق أخرى استوفاها أصحابها «وفوقها حبة مسك»، يقول رئيس مجلس الجنوب، قبلان قبلان. حتى هذه اللحظات، سلّم المجلس 82 ألفاً و248 متضرراً شيكات بقيمة 706 مليارات و884 مليوناً و110 آلاف و800 ليرة لبنانية.
ليس مبلغاً سهلاً ما صُرف حتى الآن، لكن، ما لم يسلّم يفتح الباب لطرح تساؤلات، منها أسباب تأخير بعض الدفوعات؟ هل يمكن أن يكون أحد الأسباب هو تشتيت مهمة تسليم التعويضات والكشف على المنازل والتدقيق لعدة جهات، منها مجلس الجنوب، والهيئة العليا للإغاثة ووزارة المهجرين؟ ومن هي الجهة المسؤولة التي تحول دون إقفال الملف؟
بادئ الأمر، قد يكون السبب الأبرز للتأخر في إقفال الملف، هو «تنويع الجهات التي تتولى ملف التعويضات»، يقول قبلان. في المبدأ، يقول، من مهمّات مجلس الجنوب الأساسية القيام بجميع الأعمال التي تؤول إلى تلبية حاجات منطقة الجنوب، ويتمتع بأوسع الصلاحيات اللازمة للقيام بمهمّاته. لكن، حرب تموز قلبت الموازين. في حينها، كان رئيس كتلة المستقبل النيابية الحالي فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة. ارتأى الرئيس، وقتها، تقليص صلاحيات مجلس الجنوب، وإعطاءها للهيئة العليا للإغاثة، أو بتعبيرٍ آخر «صادر صلاحيات المجلس ووضعها في الهيئة»، يضيف قبلان. هكذا، أُلقيت مسؤولية جزءٍ لا بأس به من البلد «على عاتق شخصٍ واحد هو اللواء يحيى رعد»، ولم يعد من مهمّات مجلس الجنوب إلا «القيام بالكشف على المناطق المتضررة وإرساله إلى الهيئة العليا للإغاثة، التي ترسله بدورها إلى شركة خطيب وعلمي للقيام بالتدقيق، ومن ثم يعود إلى الهيئة التي تحرّر الشيكات، وتعطيها للمجلس لتسليمها إلى أصحابها». هكذا، باتت وظيفة مجلس الجنوب أقرب إلى ساعي البريد، فيما «حمل رعد البلد على عاتقه كما سوبرمان».
ثمة سبب آخر لهذا التأخّر، وهو الدورة التي تتطلبها هذه العملية، بسبب تقسيم المهمّات، حيث تستغرق المدة ما بين الكشف وتسلّم الشيكات لقرية صغيرة ما لا يقل عن 4 أشهر. ويقارن قبلان بين «برمة التعويضات» الآن وما جرى خلال حرب 1996، حيث استغرقت «في حينها جولة الكشف حوالى شهرٍ واحد، صُرفت بعدها الشيكات للأهالي».
المماطلة و«البرمة» الطويلة أخّرتا التعويضات. وبسبب كل هذا، لا يزال الملف مفتوحاً حتى الذكرى الرابعة للحرب، ولا يزال للمتضررين في ذمة الدولة بضع مئات من المليارات مقسمة وفق نظام الدفعتين الأولى والثانية، أي «أساسي» و«استكمال». وبحسب تقرير صادر عن المجلس بشأن المبالغ المطلوبة لإقفال ملف أضرار البناء في الوحدات السكنية وغير السكنية في الجنوب والبقاع الغربي والقيمة المدفوعة، تقسم المبالغ غير المدفوعة بين الأساسي والاستكمال. فبالنسبة إلى الأساسي، هناك 108 ملفات دُققت ولم تصدر شيكاتها وقيمتها مليار و64 مليوناً و918 ألف ليرة، فيما تنتظر 710 ملفات انتهاء التدقيق الذي تقوم به شركة خطيب وعلمي لها ليتقاضى أصحابها تعويضاتهم البالغة 13 ملياراً و277 مليوناً. أما في ما يخص الاستكمال، فهناك 442 ملفاً دُقّقت ولم تصدر شيكاتها وقيمتها 3 مليارات و719 ألفاً، و1381 ملفاً قيد التدقيق بقيمة 23 ملياراً و669 مليوناً. وثمة ملفات ما بين الأساسي والاستكمال، وتتوزع ما بين أقساط ثانية دُقّقت ولم تصدر شيكاتها وهي 207 ملفات، وقيمتها 3 مليارات و90 مليوناً و397 ألفاً، وأقساط ثانية سوف تستحق لاحقاً وعددها 651 قسطاً وتبلغ قيمتها 12 ملياراً و383 مليوناً و117 ألفاً. تضاف إلى كل هذا اعتراضات 1779 متضرراً على المبالغ، وتبلغ قيمة أموالهم 6 مليارات و500 مليون، والاعتراضات على عدم ورود الأسماء، التي تبلغ قيمة تعويضاتها 9 مليارات.
هنا، يضيف رئيس المجلس ملفات أخرى أُدرجت تحت خانة «الاستكمال»، وهي المنازل قيد التدقيق، التي لا تتعدى قيمة أضرارها 5 ملايين ليرة لبنانية، ويبلغ عددها 23 ألفاً و453 ملفاً، ومحال قيد التدقيق، دون 5 ملايين أيضاً، ويبلغ عددها 10 آلاف و875 محلاً.
لكن، رغم ذلك، يرى قبلان أن «نسبة كبيرة من الدفعتين الأولى والثانية أقفلت عملياً». أمّا ما يتعلق بالكشوف «ما دون 5 ملايين، فيكشف عليها المجلس وتؤجّل قليلاً، وذلك نظراً إلى أولوية بعض المراحل».
مقابل تعويضات الدولة، المدفوعة منها والمعلقة، تكفلت بعض الدول العربية ببعض المناطق، ومنها الكويت وقطر والإمارات وسوريا والعراق «التي دفعت 50 مليون دولار من دون أن ندري كيف صُرفت وأين»، يضيف قبلان. كفالة هذه الدول خلّصت الدولة من الكثير من الأعباء.. ومن مراكمة مليارات إضافية في

سلّم المجلس إلى الآن 82 ألفاً و248 متضرراً شيكات بقيمة 706 مليارات
خانة «قيد التدقيق» أو أنها «دقّقت ولم تصدر شيكاتها بعد».
ولئن كان للتعويضات «برمة» طويلة، فكذلك للآلية «برمة» أطول، يبدأها المجلس، من خلال إرسال لجنة تتكون من مهندس وموظف أو اثنين إلى البلدة. يكشفون على البيوت المدمرة جزئياً وكلياً. يحدّد المهندس ما إذا كان البيت يحتاج إلى الهدم أو لا. وإن كان لا يحتاج إلى الهدم، تحدَّد قيمة الأضرار وفق «باريم للأسعار» أي مقياس موّحد. بعد ذلك، يدقق المهندس في الكشف مع مختار المحلة ورئيس البلدية، ومن ثم يوقّعه هو وموظفو المجلس الذين هم معه ورئيس البلدية والمختار، ومن ثم ممثل شركة خطيب وعلمي والهيئة العليا للإغاثة. ويسلم بعدها إلى الهيئة التي تعاود التدقيق فيه قبل أن تصرف شيكاتها ويبدأ الإعمار. بحسب آلية التعويضات، تُحدّد مساحة الوحدة السكنية بـ120 متراً مربّعاً. وإن تعدّت النسبة 150، يضاف إلى الأمتار الفائضة عن المساحة المحددة مبلغ إضافي. وإذا كان البيت يضم أكثر من طبقة، تحتسب كل طبقة على أنها وحدة سكنية. رغم، كل تلك الدقة، ثمة «من ظُلم ويُظلم أثناء التعويض عليه»، يقول قبلان. فهنا، «اللي دافع على بيته واللي مش دافع»، يأخذان المبلغ نفسه، أي إن قيمة الوحدة السكنية واحدة للكل.
قد تكون آلية منح المتضررين تعويضاتٍ عن بيوتهم صعبة بعض الشيء، لكن ماذا عن تعويض المتضررين عن آلياتهم وسياراتهم؟ فهذه لا تحتاج إلى كشف على طريقة كشف المنازل بطبيعة الحل، وقد حددت قيمة تعويضاتها المادية بثلاثة مليارات و404 ملايين و278 ألف ليرة لبنانية. لكن، رغم كل ذلك لم تُدفع إلى الآن، والذين يعيشون من أتعاب تلك الآليات سيبقون على انتظارهم للدولة كي تحدد أولوياتها.