محمد نزال خلافاً لما توقّعه البعض، ولما نُشر في بعض وسائل الإعلام قبل أشهر، فإنّ قضية مذكّرات التبليغ الصادرة عن القضاء السوري لم تنته بعد. فقبل نحو 5 أشهر، ذكرت عدد من الوسائل الإعلامية أنّ المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا ردّ إلى القضاء السوري مذكّرات التبليغ، وهي المتعلقة بالدعوى المقدّمة من اللواء الركن جميل السيد، غير أنّ المكتب الإعلامي للأخير أصدر أمس بياناً، تضمّن معطيات جديدة في هذا الملف. وممّا جاء في البيان، أنّ السيد تبلّغ من وكلائه القانونيّين في سوريا أنّ قاضي التحقيق الأول في دمشق، أرسل مطلع شهر آب الحالي إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات، مذكّرة رسمية يستفسر فيها عن مصير مذكّرات التبليغ السورية، في دعوى السيد المقدمة «ضد شهود الزور السوريين وشركائهم اللبنانيين، ممّن وردت أسماؤهم في الدعوى والتحقيقات».
تضمّن بيان السيد، الصادر أمس، سرداً للمسار القانوني الذي اتخذته المذكّرات المشار إليها، فأشار إلى أن القضاء السوري «كان قد أحال سابقاً مذكرات التبليغ، التي سُمّيت حينذاك الاستنابات السورية، على وزير العدل الدكتور إبراهيم نجار، وعلى المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا، في تشرين الأول عام 2009، لكنّ الوزير نجار والقاضي ميرزا جمّدا تلك المذكّرات في أدراجهما لمدة خمسة أشهر، خلافاً لاتفاقية التعاون القضائي الموقعة بين لبنان وسوريا عام 1951». وأضاف البيان، إنه بعد ذلك أعاد القضاء السوري إرسال تلك المذكّرات مجدّداً إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت غسان عويدات في شهر أيار الماضي، «لكنها جُمّدت لديه أيضاً، دون أيّ مسوّغات قانونية، حيث كان يُفترض بالقضاء اللبناني إمّا أن يعمد إلى تبليغ الأشخاص المذكورين، أو أن يردّ تلك المذكرات إلى القضاء السوري ضمن مهلة لا تتعدى الشهر، احتراماً لأصول التراسل القضائي المتعارف عليها بين البلدين».
اتصلت «الأخبار» بمسؤول قضائي رفيع، وسألته عمّا إذا كان القضاء اللبناني قد تسلّم فعلاً مطلع شهر آب الحالي مذكّرة رسمية من القضاء السوري، تتضمن استفساراً عن مصير مذكّرات التبليغ. نفى بدايةً المسؤول علمه بالأمر، قبل أن يقول إنه «غير مخوّل التحدث في هذا الموضوع».
يُشار إلى أن مذكّرات التبليغ تتضمن نحو 25 اسماً، من بينهم وزراء ونواب وقضاة وإعلاميّون وغيرهم «من شهود الزور». وفي مقدمة هذه الأسماء، بحسب ما ورد في بيان السيد، اسم المدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا، كأحد المدّعى عليهم في دعوى السيد أمام القضاء السوري، وفي الوقت نفسه فإن موقعه يعدّ من أرفع المواقع القضائية في لبنان، وبالتالي يصح فيه قول الشاعر «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم».
اتصلت «الأخبار» بالقاضي ميرزا، وسألته عمّا إذا كان القضاء اللبناني قد تسلّم أخيراً المذكرة التي ذكرها اللواء السيد في بيانه، فنفى علمه بالأمر. وعند محاولة أخذ رأيه في موضوع المذكّرات عموماً، وفي موضوع اتفاقية التعاون القضائي بين لبنان وسوريا، الموقعة عام 1951، قال ميرزا: «هذا موضوع لا أعلّق عليه في الإعلام، لكن نحن نعرف القانون جيداً، لقد مضى عليّ 43 سنة وأنا أعمل في القضاء والقانون، ومع ذلك رح يطلعونا ما منعرف بالقانون بعد شوي».

ميرزا: لا أعلّق على الموضوع في الإعلام، ونحن نعرف القانون جيداً
يشار إلى أن اللواء السيد ختم بيانه داعياً الحكومة اللبنانية ووزير العدل إبراهيم نجار، إلى «احترام توقيع لبنان على الاتفاقيات القضائية المعقودة مع الخارج، ولا سيما مع سوريا، وذلك من خلال الإجابة عن مذكّرات التبليغ والاستفسار السورية بحسب الأصول، إذ إنّه لو كانت تلك المذكّرات أميركية أو أوروبية مثلاً، لما تجرّأ القضاء اللبناني، ولا سيما وزير العدل والقاضي سعيد ميرزا، على المماطلة والاستهتار بها كما يجري حالياً، بهدف حماية شهود الزور وشركائهم في قضية اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري».
وكانت بعض وسائل الإعلام قد ذكرت قبل نحو 5 أشهر، أن النيابة العامة التمييزية ردّت المذكرات الصادرة عن قاضي التحقيق الأول في دمشق، التي يطلب فيها إبلاغ عدد من الشخصيات المثول أمامه لاستجوابهم في دعوى السيد. ومن الأسباب التي سيقت لرد المذكرات، أنها لم تراع قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني، «الواجب مراعاته بحسب الاتفاقية القضائية الموقعة بين البلدين، ولكون الشخصيات المطلوب تبليغها تتمتع بحصانات نيابية وسياسية وقضائية وأمنية لا يمكن تجاوزها، وغيرها من المخالفات التي تستوجب الرد بالشكل قبل النظر في أساس القضية». من جهته، رأى اللواء السيد في حديث مع «الأخبار» أنّ القضاء السوري «يبدو أنه لم يقتنع برد القضاء اللبناني للمذكّرات، فعاد وردّها إلى لبنان، ما يمكن أن يفسر رفضاً لكتاب ميرزا الذي أرسله إلى دمشق».