مثّلت الرحلة السنوية التي تنظّمها بلدية راشيا الوادي في كل عام لمناسبة عيد «التجلي» إلى قمة جبل حرمون مفاجأة غير سارّة لأربع شابّات «بيروتيات» صعدن 2800 متر طلباً لسكينة ولنظافة بيئية لم يجدنها، إذ فوجئن بالمكان وقد تحوّل إلى خليّة للصخب، ومرتع للعبث البيئي
كامل جابر
خاضت كل من نبيلة وفاطمة وسارة ويُمنى التجربة الأولى في مشقّة الصعود إلى المخيم الذي تنظّمه بلدية راشيا الوادي، عند ارتفاع 1200 متر، لاستقبال روّاد الجبل في مناسبة عيد التجلّي. صعدن إلى شاحنة صغيرة «مقفصة» الجوانب. هناك، توزّعن بين نحو عشرين شابّاً وشابّة ليخوض الجميع رحلة صعود مرعبة في وسيلة نقل، يظن الراكب أنها قد تهوي بين لحظة وأخرى لوعورة الطريق.
من أجل نسيان التعب والمشقّة وما يحفّ بالطريق من مخاطر، راحت كل واحدة منهن تنشد مقاطع من أغنيات لبنانية، جديدة وقديمة، كانت لفيروز الحصة الأوفر منها. لكن نوبات من الضحك والصراخ انتابتهن، مثلما انتابت العديد من ركاب «الصندوقة»، وخصوصاً عند كل تبديل في حركة السرعة، صاحبته اصطدامات بين الركاب وبجوانب الشاحنة. بعد أكثر من ثلثي الساعة وصل الجميع، بعيد الغروب، إلى المخيم المنتشر على مساحة صخرية تبلغ مساحتها نحو أربعة دونمات. نصبت الشابات خيمة متواضعة بين الصخور. لكن الموسيقى الصاخبة المنبعثة من الباحة التي احتشدت بالشباب والصبايا يرقصون على أنغام شرقية وغربية، شدت انتباههن، فسارعن إلى الالتحاق بحلقة الدبكة التي اتّضح أنها غير ممتعة كما كانت تبدو عن بعد بسبب «الصخب والفوضى» كما تقول يمنى.
تقطع هذا الصخب كلمة مقتضبة لرئيس البلدية مروان ذاكي، يتمنى فيها على الشباب التحلي بروح عالية، والبحث عن «الفرح والمتعة في هذا الجو الذي يجمع مواطنين من كل الملل والنواحي، لكن بعيداً عن الإسراف في احتساء المشروبات الروحية، وعن المسّ بالمحيط البيئي». تطلب إحدى الصبايا إلى زميلاتها والصحب المرافق من مصورين وإعلاميين مغادرة الباحة نحو أطراف المخيم، حيث تنتشر حلقات وتجمعات مختلفة عُقدَت حول «سهرة متّي». هناك، الجو هادئ ومستكين، يشبه أكثر طبيعة المكان ولا يغتصب هدوءه. فعلى علوّ مثل هذا، يتوقّع الزائر أن يغسل روحه من ضجيج الحياة المدينية، وأن يريح بصره ورئتيه بالأفق المفتوح وبالهواء النظيف، خطة أجهضها «الدخان المنبعث من كل مكان، والصخب الأقرب إلى الفوضى، فالصراخ ينبعث من كل مكان، ولا تحدّ من استرساله سوى موسيقى هي أكثر صخباً منه، تصل أصداؤها إلى أكثر من مئتي متر»، تقول نبيلة. رغم ذلك، تتحدث فاطمة عن إيجابية اللقاء هنا على هذا الجبل المرتفع، حيث «لا أحد يسأل أحداً عن دينه وملّته ووجهته السياسية، ففي حلقة الدبكة تتقاطر مجموعة من جهات مختلفة، مناطقياً ودينياً وسياسياً، من 8 آذار ومن 14 آذار، وما بينهما، وعلى هذا المنوال يجب أن تكون وجهة البلد».
تغرق سارة، مثل زميلاتها، في التقاط مجموعة من الصور العشوائية، فالمكان بالنسبة إليها هو «أقرب إلى حلقة من الجنون» كما تقول، مردفةً «لكنه جنون مقبول، لأن جميع من هم هنا قد تخلّوا عن الروتين الحياتي اليومي، وعن الضوابط الاجتماعية المملّة». مع اقتراب منتصف الليل، تهب رياح باردة جداً، يرتدي الجميع اللباس الشتوي ويلوذون بالخيم أو بالصخور المنتشرة في المكان، بينما يلجأ العديد من الشبان إلى إشعال النيران في شتول ومساكب الشوك الطبيعية، التي لا تنبت في القرى والمناطق الأخرى، بل تراها فقط عند هذا الارتفاع. «ألا يوجد هنا من يردع هذا العدوان على البيئة والطبيعة؟»، تتساءل نبيلة، لتضيف فاطمة: «حرام ما يجري، فلولا تباعد هذه النباتات بعضها عن بعض، لاحترقنا جميعنا».


استراحة المتسلّق

قد يكون الصعود إلى القمة هو الأضنى في هذه الرحلة. فقد كان على الصبايا الأربع أن يبدأن المسير قرابة الثالثة فجراً، ومع شبه غياب لنور القمر. كادت يمنى أن تستسلم. فكّرت أكثر من مرة في العودة كما تعترف: «لم أعد أستطيع تحريك قدميّ». كانت تستريح من وقت إلى آخر قبل أن تعود وتلتحق بقافلة الصاعدين، التي امتدّت بين المخيم والقمة المطلة على لبنان وسوريا وفلسطين المحتلة وأطراف من الأردن. أما فرح الوصول بعد ساعة ونصف ساعة، فقد نغّصته «الفوضى البيئية عينها التي شاهدناها في الأسفل، حيث أشعل المخيمون النار بكل ما وقع تحت أياديهم من نباتات ليتدفّأوا». صحيح أنّ البرد قارس و«بيوقّف القلب» كما تؤكد يمنى، لكن هذا «لا يبرّر تدمير البيئة... حرام»