أسس واضحة علمية متطورة ديموقراطية وشفافة»، هذا ما وعد به وزير الشؤون الاجتماعيّة سليم الصايغ في حفل إطلاق مشروع تطوير أنظمة ومعايير ضمان الجودة في الجمعيات المتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية. المشروع بدأ في تموز ليتوقف مع بداية آب، وحجة الوزارة «شهر رمضان»، لكن الجمعيات ترى في الأمر أبعاداً أخرى

بسّام القنطار
هل انقلب وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ على «المبادرة الخاصة» التي أعلن عنها في ٧ حزيران الماضي لـ«تطوير أنظمة ومعايير لضمان الجودة والاعتماد» في المشاريع التي تربط الوزارة بعدد كبير من المؤسسات والجمعيات والهيئات الأهلية المتعاقدة معها؟
سؤال طرحه بقوة عدد من الجمعيات التي شاركت بفعالية في ورشة عمل نظمتها لمصلحة الوزارة «مؤسسة التميز للتعلم والريادة»، وهي الجهة التي تتولى تنفيذ المشروع بتمويل بلغ ٥٠ ألف دولار أميركي مقدم من مؤسسة «أميديست» المصنفة أنها «الذراع الشفافة» للوكالة الأميركية للتنمية.

وكان الصايغ قد رفض خلال المؤتمر الصحافي الذي أطلق خلاله المبادرة الكشف عن الميزانية المقدرة وعن الجهة الممولة، مكتفياً بالقول إنه «لا يعقد صفقات من تحت الطاولة»، (راجع الأخبار عدد ١١٣٦ تاريخ ٨ حزيران ٢٠١٠) علماً بأن شروط التمويل مع «أميديست» تتضمن بنداً ملزماً بالإفصاح عن الجهة الممولة وإبراز شعارها في جميع المنشورات التي يصدرها المشروع.
وفي معلومات لـ«الأخبار» فإن الوزير الصايغ بادر إلى تأجيل موعد انعقاد الورشة الثانية التي كانت مقررة في ٣ آب الحالي إلى السادس منه، ثم عمد إلى إلغاء الورشة دون تحديد موعد جديد، ودون إبلاغ المدعوين عن الأسباب التي أدت إلى التأجيل ومن ثم إلغاء الورشة، التي كان من المقرر أن تليها سلسلة من الأنشطة، وفق خطة زمنية محددة، تسمح بالخروج بخطة عمل وبمعايير يمكن الوزارة اعتمادها قبل توقيع العقود الجديدة مع الجمعيات لعام ٢٠١١، علماً بأن عقود عام ٢٠١٠ لا تزال عالقة في ديوان المحاسبة.
يرى رئيس اتحاد الجمعيات المتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، توفيق عسيران، أن إلغاء ورشة العمل الثانية، إشارة شديدة السلبية من الوزير الصايغ، الذي كان ربما يراهن على أن عدداً من الجمعيات لن يتجاوب مع المشروع، ما يمثّل حجة مقنعة لإلغاء عقودها، ليتبين أن العكس هو الصحيح وأن الوزارة هي اليوم باتت أقل حماسة للمشروع. ولفت عسيران إلى أن الوزارة معنية بتأكيد مصداقيتها وتصحيح هذا الخطأ الفادح من خلال الدعوة إلى ورشة عمل جديدة واستكمال المشروع.
رئيس «مؤسسة التميز للتعلم والريادة»، طعان شعيب، أكد في اتصال هاتفي مع «الأخبار» أن المشروع وصل إلى محطة مفصلية لإصلاح الواقع الحالي وتمكين وزارة الشؤون الاجتماعية من النهوض بالقطاع. أضاف: «حان الوقت ليتخذ الوزير الصايغ قرارات شجاعة لا مفر منها، فتعاون الجمعيات والهيئات الأهلية فاق التوقعات وهي تسعى جدياً لتطوير أنظمتها الإدارية. وهذا الأمر لمسناه بوضوح من خلال مشاركة ما يزيد عن ٢٥٠ جمعية في ورشة العمل الأولى التي عقدناها في فندق بادوفا في سن الفيل». وأكد شعيب أن مؤسسته نفذت ما التزمت به كجزء من واجبها الوطني، وسترفع إلى الوزير معايير حديثة ومنسجمة وقابلة للتطبيق، خلال شهر واحد، شرط التزام الوزارة بالجدول الزمني لتنفيذ مراحل المشروع.
من جهته، مستشار وزير الشؤون الاجتماعية، د. جورج يارد، الذي يرأس اللجنة المشرفة على المشروع، نفى أي عملية إلغاء أو تعطيل للمشروع، مشيراً إلى أن السبب الذي أدى إلى تأخير انعقاد ورشة العمل الثانية، تزامنها مع شهر رمضان المبارك، وخصوصاً أن الوزارة تلقت مجموعة من الاعتذارات من الجهات المعنية تطلب فيها تأجيل انعقاد الورشة إلى ما بعد شهر رمضان.
ورد شعيب على كلام يارد لافتاً إلى أن المؤسسة لم تتبلغ بهذا القرار وهي الجهة الأولى المعنية، وأن الوزير الصايغ قطع الاتصال مع المؤسسة، علماً بأنها أرسلت كتباً رسمية لمقابلته بهدف مناقشة التقرير الذي صدر عن ورشة العمل الأول. ولفت شعيب إلى أنه قد يكون من المنطقي تأجيل الورشة إلى ما بعد شهر رمضان، لكن النقاش الثنائي بين الوزير أو من يمثله وبين المؤسسة، حول المشروع، يمكن أن يجري خلال رمضان إلا إذا كان الوزير الصايغ ومستشاره جورج يارد صائمين.
ويبين التقرير الأولي الذي حصلت «الأخبار» على نسخة منه، أن وزارة الشؤون الاجتماعية معنية بالدرجة الأولى باعتماد المعايير وضمان الجودة وأنها تعاني نقصاً فادحاً على المستويات كلها، وتصل نسبة الشغور إلى ٧٢٪ من الوظائف المحددة في ملاكها. كما أنها تعاني غياب الخطة والبرامج الإنمائية، ما يؤدي إلى ذهاب القسم الأكبر من الموازنة للمؤسسات الرعائية. وبينت الدراسة أيضاً أن الوزارة خاضعة للضغوط والتوجهات السياسية. وبحسب التقرير، فإن المشكلة الرئيسية التي تواجه طرفي العلاقة التعاقدية، أي الوزارة والقطاع الأهلي، هي وجود شريكين آخرين غير ظاهرين في العقد، وغير موقعين عليه وغير ملزمين بحيثياته وهما ديوان المحاسبة ووزارة المالية، ويُظهر التقرير أنهما لا يعملان كطرفين حكوميين على نحو منسق مع وزارة الشؤون الاجتماعية كطرف حكومي ومسؤول أول عن هذا القطاع. ويقترح التقرير على الوزارة أن تلعب دورها كاملاً وتمارس صلاحياتها باتخاذ التدابير الوقائية، بما فيها التنسيق مع الوزارات المعنية والأجهزة

وصل المشروع إلى محطة مفصلية لإصلاح الواقع الحالي وتمكين وزارة الشؤون الاجتماعية
الحكومية الأخرى من أجل تحديد كل المتطلبات المرتبطة بالعقد المنوي توقيعه مع الطرف الثاني، وهكذا يُوقّع على عقد دقيق وواضح منذ البداية لكل من الطرفين المتعاقدين يأخذ بعين الاعتبار متطلبات الشريكين غير الظاهرين في العقد، أي وزارة المالية وديوان المحاسبة، ما سيؤدي حتماً إلى تلافي المشاكل المحتملة قبل توقيع العقد ويسهل تنفيذه لاحقاً.
المركزية المفرطة في اتخاذ القرار على مستوى موقع الوزير، والتي زاد من حدّتها شغور موقع المدير العام، انعكست سلباً على العلاقة التعاقدية مع الجمعيات والهيئات الأهلية، لكن هذه ليست المشكلة الوحيدة التي تعانيها الوزارة، بل إن التقرير ذهب إلى الإشارة إلى أنه ليس في الإدارات التابعة للوزارة كتيبات تحدد دقائق العمل الواجب اتباعها في تنفيذ الأعمال والمهمات الموكلة إلى كل وحدة إدارية. وسأل التقرير: هل يجب اعتبار عدم قيام أي موظف بمهماته خلال المهل المحددة قانوناً، بمثابة تقاعس يتطلب مساءلة فورية من الهيئات الرقابية المختصة؟ ويلفت التقرير إلى أن دور ممثلي الوزارة هو المشاركة في اجتماع اللجنة المشتركة بين الوزارة والجمعيات المتعاقدة وتحديد إطار المحضر والتوقيع عليه، ثم تسحب هذه الصلاحية إلى جهات أخرى في الوزارة تتبارى في إيداع تعليقات على كل جانب بحيث تضيع معها الرؤية الفعلية للعمل والأهداف المتوخاة من التعاقد. أما بعد توقيع الوزير النهائي على العقد فإن المحضر يعاد إلى مصلحة الجمعيات الأهلية حيث يتأخر وصوله، من طابق إلى آخر، لفترة تتراوح بين الشهرين وثلاثة أشهر، فيما لا يحتاج هذا الأمر إلى أكثر من دقائق معدودة.


تهميش القيادات

تهميش عدد من قيادات الوزارة» عبارة وردت في مسودة تقرير «مؤسسة التميز للتعلم والريادة»، وأجمع عليها المشاركون في ورشة العمل الأولى لمشروع معايير الجودة الذي تنفذه المؤسسة لمصلحة وزارة الشؤون الاجتماعيّة. التهميش برأي هؤلاء يبدأ من لجنة الإشراف على المشروع، إذ كيف يعقل أن يرأس هذه اللجنة مستشار الوزير جورج يارد، وتتكوّن عضويتها من مديرة الخدمات الاجتماعية في الوزارة رندى أبو حمدان؟ أما رئيس مصلحة المحاسبة في الوزارة، طلال العاكوم، فهو بدوره عبر أكثر من مرة أمام ممثلي الجمعيات أن تأخره في صرف المستحقات ناتج من شعوره بالغبن من «الطابق السابع» أي مكتب الوزير سليم الصايغ (الصورة) الذي لا يشركه في القرارات المتعلقة بمصلحته. ومن المعلوم أن شغور منصب المدير العام في الوزارة بإحالة المديرة العامة نعمت كنعان إلى التقاعد، قد ساهم في تعزيز هذا الشعور، علماً بأن الوزير الصايغ قد كف يد رئيسة مصلحة شؤون المعوقين في الوزارة كورين عازار عن تولي منصب المدير العام بالإنابة قبل أن يعين أبو حمدان في هذا المنصب ويعمد إلى كف يدها مجدداً، وكل ذلك بات معكوساً على واقع التعاطي الإداري بين الموظفين أنفسهم وفي علاقاتهم مع الجهات التعاقدية.