هل تُعدّ مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني من ضمن أشخاص الضابطة العدلية؟ قانونيون أكدوا عدم وجود نص قانوني يشير إلى ذلك، غير أن مسؤولين يصرّون على الزجّ بالجيش والتهديد بتكليفه بتوقيف بعض المواطنين والصحافيين
محمد نزال
«بقرار من النيابة العامة، سيُستدعى كاتب المقال إلى مديرية الاستخبارات ليُسأل من وراءه، أكان جهازاً أم شخصاً قدّم هذه المعلومات المدسوسة. كائناً من كان وراءه، سنرسل فرقة من المكافحة لتوقيفه». هكذا تكلّم وزير الدفاع إلياس المر في مؤتمره الصحافي قبل نحو أسبوع، قاصداً بكلامه الزميل حسن علّيق، الذي استُدعي بالفعل إلى مديرية الاستخبارات وحُقق معه لمدّة 6 ساعات، قبل أن يُطلق سراحه.
بعيداً عن السياسة، وعن الآداب والأعراف التي طبعت العلاقة بين الإعلاميين والأجهزة الأمنية، هل تُعدّ خطوة الاستدعاء التي طلبها الوزير المرّ جائزة من الناحية القانونية؟ وهل يحق للوزير المذكور وللمدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا الإيعاز إلى مديرية الاستخبارات لاستدعاء وتوقيف أيّ من المواطنين، فضلاً عن الصحافيين والإعلاميين؟ ليس هناك في نص المادة 38 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أيّ ذكر لمديرية الاستخبارات في الجيش كأحد أشخاص الضابطة العدلية، وبالتالي فإن تكليفها من قبل النيابة العامة هو أمر «غير قانوني»، بحسب ما أكد عدد من الخبراء القانونيين. تنص المادة المذكورة على أنه «يقوم بوظائف الضابطة العدلية، تحت إشراف النائب العام لدى محكمة التمييز، النواب العامون والمحامون العامون. ويساعد النيابة العامة، ويعمل تحت إشرافها في إجراء وظائف الضابطة العدلية، كلّ في حدود اختصاصه المنصوص عليه في القانون، الآتي ذكرهم:
1 ـــــ المحافظون والقائمقامون. 2 ـــــ المدير العام لقوى الأمن الداخلي وضباط قوى الأمن الداخلي، والشرطة القضائية، والرتباء العاملون في القطاعات الإقليمية، ورؤساء مخافر قوى الأمن الداخلي. 3 ـــــ المدير العام للأمن العام، والضباط ورتباء التحقيق في الأمن العام. المدير العام لأمن الدولة ونائب المدير العام، والضباط ورتباء التحقيق في أمن الدولة. 4 ـــــ مختارو القرى. 5 ـــــ قادة السفن البحرية وقادة الطائرات والمركبات الجوية».
إذاً، فإن تكليف مديرية الاستخبارات من قبل النيابة العامة أمر «غير قانوني إطلاقاً»، وفق تعبير نقيب محامي طرابلس والشمال السابق فادي غنطوس، الذي رأى أن «الزجّ بالجيش في هذا الموضوع أمر في غير محلّه، ومن يفعل ذلك يكن هو من يسيء إلى الجيش لا الآخرون». واستغرب غنطوس في حديث مع «الأخبار» تبجّح بعض الوزراء بالتعاطي مع الناس، والتعامل مع الضباط «كأجراء يعملون لديه. فهل أصبح الجيش أو القوى الأمنية دكاناً لدى هؤلاء حتى يقولوا نرسل الفرقة الفلانية لتوقيف فلان. هذا كلام معيب. ألم يسمع بعض المسؤولين بالعمل المؤسساتي مثلاً؟». وختم غنطوس قائلاً: «غريب أمر هذا الصمت تجاه التجاوزات للقانون التي حصلت في قضية توقيف الصحافي، والتي يمكن أن تتكرر مع سواه لاحقاً. ولذلك أخشى أن يصبح الصمت أمراً تشجيعياً لنهج قمعي يترسخ شيئاً فشيئاً».
بدوره، أكّد الرئيس الأسبق لمجلس شورى الدولة، القاضي يوسف سعد الله الخوري، أن هناك اجتهاداً معروفاً لدى مجلس شورى الدولة، يشير إلى عدم اعتبار أيّ من أفراد الجيش اللبناني كأحد أشخاص الضابطة العدلية، وبالتالي فإن تكليف مديرية الاستخبارات بمهمة التوقيف والتحقيق أمر «غير قانوني، وهذه مسألة قد تعرّضت لها بالشرح ملياً في كتابي «القانون الإداري العام»، وبالتالي لا يمكن أن يكلف بمساعدة القضاء الجزائي عدلياً إلا الضابطة العدلية».

يوسف سعد الله الخوري: تكليف مديرية الاستخبارات بمهمة التوقيف والتحقيق أمر غير قانوني

وفي السياق نفسه، فإن فرقة المكافحة في الجيش اللبناني ليست ذات صلاحية لتوقيف أو تبليغ أي مواطن، وذلك وفقاً لما نصّت عليه المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ تشير إلى أنه «تبلّغ أوراق الدعوى والمذكرات والأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء، وتنفذ التدابير القضائية، بواسطة مفارز أمنية خاصة تكون تابعة مباشرة للنائب العام ولقاضي التحقيق الأول ولرؤساء الهيئات والمحاكم المختصة».
من جهته، شدد الخبير القانوني المحامي ماجد فياض على أن القانون لم يورد الشرطة العسكرية ولا المكافحة كأحد رجال الضابطة العدلية المساعدين، وبالتالي لا يمكنهما القيام بمهمات التوقيف. ولفت فياض في حديث مع «الأخبار» إلى أن المرسوم الاشتراعي 77/ 104 الذي عدّل قانون المطبوعات، «أوضح بما لا يقبل الالتباس، أنه لا يجوز التوقيف الاحتياطي في قضايا المطبوعات، وذلك بحسب المادة 28 منه». وأشار إلى أن بعض الفقه القانوني يذهب إلى أنه «لا يجوز حتى إصدار مذكرة إحضار أو توقيف غيابية بحق الصحافي، ما دام التوقيف الاحتياطي غير جائز بحسب هذا القانون الاستثنائي، ويذهب البعض أيضاً إلى عدم جواز فترة الاحتجاز الإداري التي تكون سابقة على التوقيف الاحتياطي، لأنه متى مُنع الأصل مُنع الفرع».


لقطة

اتصلت «الأخبار» بالمدّعي العام لدى محكمة التمييز، القاضي سعيد ميرزا، الذي كان قد أوعز إلى مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني لاستدعاء الزميل حسن عليق والتحقيق معه، وسألته على ماذا استند قانوناً في تكليف الاستخبارات في هذه المهمة، فيما هي لا تُعدّ من أشخاص الضابطة العدلية والمساعدين المذكورين في المادة 38 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. أجاب ميرزا بأن «هناك مرسوماً صادراً منذ نحو 10 سنوات، وهو ينص على أن استخبارات الجيش من ضمن الضابطة العدلية ويمكن تكليفها»، ولكن ما هو رقم هذا المرسوم؟ سألت «الأخبار»، فأجاب القاضي بأنه ليس في باله في الوقت الراهن، ولكن «في كل الأحوال ما حصل كان قانونياً، وثغر كهذه لا تفوتنا».


منصور: من حق علّيق تقديم شكوى

رأى وزير الدفاع الأسبق البير منصور، أن «ردّ فعل الوزير المرّ لم يكن متناسباً على الإطلاق مع حجم الموضوع، فلقد كنا وزراء ولم نفعل مثل هذه الأفعال، كان يمكنه الاكتفاء بنفي ما قيل، ولكن أن تُستخدَم المؤسسات والأجهزة لخدمة مصالح الوزراء فهذا أمر غير مقبول». وأشار منصور في حديث مع «الأخبار» إلى أنّ بإمكان الزميل علّيق «تقديم شكوى قضائية ضد الوزير المر بتهمة التشهير والقدح والذم، وذلك عندما اتهمه بالعمالة لمصلحة إسرائيل، فهذا أمر لا يرضاه أحد، فضلاً عن أنه لا يجوز أن يُستدعى الصحافي ويجري توقيفه بهذه الطريقة»، رافضاً «ادعاء الوزير أنّ الصحافي أساء إلى الجيش، فعلى العكس قرأت المقال ولم أجد فيه أيّ اتهام للجيش».