جنان سليملا قفْل لزنزاتي يمنع سجّاني الفضولي من التلصّص على أنيني وتعكير صفو وحدتي عليّ متى شاءت ساديته ذلك. لا أملك شرفةً مطلّةً كي أدّعي أني كنتُ أنظر من خلالها إلى الأفق وأنا أكتب هذه الكلمات. وإن كان في حائط هذا «القبو» فجوة ذاتَ شكلٍ هندسيٍّ مدروس، إلاّ أنها في نهاية الأمر تطلّ على حائط آخر مسدود، غير مطلي ولا فجوة تضيئه، ما عدا بضعة ثقوب أصبحت مع الوقت ومع تنامي العفن مأوىً للصراصير والحشرات، لكنها تضيق بأحلامي.
لا أدري إنْ كان لحائط الباطون هذا قصد «شرعيّ» ما، أم أنها مجرّد مسألة حظٍّ عاثر يلاحقني دائماً ليذكّرني كلّما شَرَدتُ بأنّي ما زلتُ سجينة، وإنْ اتّخذتُ داخل حدود سجني الضيقة بقعةً بائسة، وأغدقتُ عليها المصابيح والزينة والفرش وكلّ ألوان الطلاء. فالسجن لا ينفكّ يزداد خناقاً وعريّاً من كلّ أقنعة الحجج الخادعة التي تدعو إلى إضاءة شمعة بدل لعن الظلام، إلى حين يطلع الفجر. فأيّ ظلام وأيّ فجر هنا، ظلام القبو أم ظلام الليل؟ طلوع الفجر أم ضوء الكهرباء؟
عندما تشرق الشمس ويهلّ القمر والسجين في قبوه، لا الشمسُ شمسٌ ولا القمرُ قمر. وعندما يُعطى السجين حريّة التفكير ويُمنَع من الصراخ إلا بوجه نفسه، فهو أخرس وصراخه ليس سوى أنين احتضار.
لا مكان هنا للتنفس ولا لمحاولة التنفس. ليس في القبو سوى خيارين: إما الاختناق وإما الجنون. الانفجار. الصراخ. الهسترة. التمرّد والانتفاض. في مواجهة الحيطان الخانقة، لا طريق سوى الهدم.