سعيد خطيبي«بما أنّ قلبي قد مات...» هو عنوان روايتها الصادرة أخيراً عن دار L’Aube الفرنسيّة. تراجع مايسة باي بين دفتيها قضية حساسة في الجزائر، إذ تسأل عن تداعيات العشرية السوداء، ونتائج موجات العنف التي عصفت ببلد المليون ونصف مليون شهيد خلال التسعينيات، وإفرازاتها من الناحية النفسية والاجتماعيّة.
اختارت الأديبة الجزائريّة شكل كتابة تراسلية، تحكي علاقة أمّ (مدرسة لغة إنكليزية) بابنها اليافع الذي سقط ضحية أحد الإرهابيين التائبين. تفتح الرواية باب التأويلات على مصراعيه، وتطرح أسئلة جديدة، وفق أسلوب مايسة باي وحساسيتها... تلك الحساسيّة التي ميّزتها منذ بداياتها، وامتازت بقدرتها على الحفر في تجليات الراهن، وإعادة صياغة بعض التحوّلات التاريخية... «أرى أن المادة التاريخيّة من شأنها إثراء الخيال الروائي. على الأقل في حالتي أنا».
مايسة باي (اسمها الحقيقي سامية بن عامر) إحدى أكثر الروائيات الجزائريات الفرنكوفونيات غزارةً. منذ باكورتها «في البدء كان البحر» عام 1996، أصدرت اثني عشر عملاً بين قصة قصيرة ورواية. اسمها من أكثر الأسماء تداولاً بين الأوساط الأدبية المغاربية والفرنسية خلال السنوات الأخيرة. «لا أحدد مواعيد للانشغال في كتابة أعمالي... في أغلب الأحيان، ما إن أنتهي من عمل، حتى أجد نفسي منخرطة في كتابة عمل جديد. كل شيء يتوقف على مزاجي الشخصي». مزاج مثمر على ما يبدو، سمح لها، في وقت قصير نسبياً، بأن تفرض حضورها داخل الجزائر وخارجها، وتحظى باهتمام إعلامي حتّى صارت كتبها تصدر بالتوازي عن منشورات L’Aube الفرنسية وزميلتها الجزائرية «البرزخ» التي يشرف عليها الشاعر سفيان حجّاج.
ومايسة باي مهووسة بالبحر. يحضر الشاسع الأزرق كفضاء إلزامي في أغلب كتاباتها. إلى جانب باكورتها «في البدء كان البحر»، تفتتح عملها «حجر دم ورق أو رماد» (2008) ـــــ اقتُبس مسرحياً العام الماضي، على مشهد يدور على مرفأ لتختتمه بتأمل البحر ـــــ هي روائية تعشق التمايل على وتر الكتابة الشعرية. روائية تدرك أنّ أولى عتبات النص الروائي تتجسد في البحث عن لغة «جذّابة». «أكتب الرواية لكنني أقرأ الشعر كثيراً. القصّة أو الموضوع ليسا المعيارين الوحيدين لنجاح الرواية. في اعتقادي ان المغامرة الروائية تتجسد في البحث عن الشكل الجمالي للكتابة. أنا أتعامل مع الكتابة من منطلق كوني قارئة قبل أن أكون كاتبة».
صدرت أولى روايات مايسة باي في فترة بلغ العنف أوجه في الجزائر، ما حتّم عليها الميل إلى خيار الاسم المستعار. واستمرت التجربة على امتداد حوالى 15 سنة، أثمرت العديد من الإصدارات، منها المجموعة القصصية «أخبار الجزائر» (1998) التي نالت من خلالها الجائزة الكبرى للقصة التي تمنحها سنوياً مؤسسة «جمعيّة أهل الأدب» في فرنسا... ثم رواية «تلك الفتاة» (2001) التي حظيت بـ«جائزة مارغريت أودو». تميّزت المنجزات الروائية الأولى لمايسة بالإفراط في وصف بشاعة عقد التسعينيات في الجزائر. إفراط متصل بحالتي قلق واستعجال أحياناً، إذ اعتمدت نهج الرواية/ الشهادة، القائمة على البطل ـــــ الراوي، بغية المساهمة في توثيق تلك المرحلة. وهي حساسية طبعت كتابات الكثير من الأسماء الروائية المهمة، على غرار أنور بن مالك ورشيد ميموني (1945ـــــ 1995).
ورغم ما يقال عن نصوص تلك الحقبة، ونعتها أحياناً من طرف بعض النقاد والصحافيين بعبارة «الأدب الاستعجالي»، فإن صاحبة «ليل تحت الياسمين» تقول: «أحبّذ وضع نصوص تلك المرحلة تحت تسمية الكتابة النضالية»، مقرّة بأنّها لا تمتلك صلاحية الحكم عليها، وتحترم الآراء المتناقضة المتداولة بشأنها.
مع مطلع الألفية الجديدة، وخصوصاً مع رواية «هل تسمعون صوت الجبال» (2002)، شرعت باي في الغوص أكثر عمقاً في تاريخ الجزائر الحديث، والعودة إلى مرحلة الاحتلال الفرنسي، مستفيدة من تأثيرات محيطها الاجتماعي. استشهاد والدها وأفراد آخرين من عائلتها أثناء ثورة التحرير الجزائريّة، كان له الأثر الكبير في ذلك. «أجد نفسي مقسمة بين جيلين. ولدت قبل أربع سنوات من اندلاع ثورة تحرير الجزائر، عايشت فترة الاستقلال وما بعد الاستقلال. وهي تحوّلات عرفتها وأسهمت في بناء مخيلتي وانطبعت على كتاباتي».
وواصلت البوح بالحساسية نفسها عبر روايتي «أزرق، أبيض، أخضر» (2007) و«حجر، دم، ورق أو رماد» (2008)، المتوّجة بجائزة أفضل رواية باللغة الفرنسية في الجزائر، خلال السنة نفسها. في هذه الرواية، تحكي مايسة قرناً وثلاثين سنة من الاحتلال بعيون طفل في السادسة. طفل يشبّه جحافل الاحتلال بامرأة يدعوها «مادام لافرانس».
تشبّه مايسة باي الرواية بالوعاء الذي تنصهر فيه مختلف مكوّنات البنية الاجتماعية، سواء أكانت رواية مستمدة من الخيال أم قائمة على سرد وقائع حقيقية. «سأظلّ دائماً في انتظار انطباع القارئ. وحده من يمتلك حقّ الحكم على قيمة الكتاب».
تتنوع تأثراتها الأدبية وقراءاتها، لكنها تكنّ الحب لألبير كامو الذي نشرت عنه كتيّباً بعنوان «ألبير كامو، ظلّ رجل يمشي تحت الشمس» (2004). «لم أعرف من الكتّاب الجزائريين من تحدث عن الجزائر وتعلّق بأرضها أكثر من ألبير كامو». مايسة باي تبقى وفية لصاحب «الغريب»، وتحاول أن تواصل ما بدأته روائيات الأجيال السابقة في الجزائر، من طاووس عماروش (1913 ـــــ 1976)، إلى حواء جبايلي، مروراً بآسيا جبار. هذه الكاتبة أكثر من ظاهرة بلا شك، إنّها حاملة لواء جيل جديد، مغاير، في الأدب الجزائري الحديث.


5 تواريخ

1950
الولادة في قصر البخاري
(150 كلم جنوبي الجزائر العاصمة)

1996
باكورتها الروائيّة «في البدء كان البحر»

1998
جائزة «جمعيّة أهل الأدب» في فرنسا عن مجموعة «أخبار الجزائر»

2008
جائزة أفضل رواية باللغة الفرنسية، في الجزائر عن «حجر، دم، ورق ورماد»

2010
رواية «بما أن قلبي قد مات»