يستهجن الأساتذة المرفعون من ملاك «الأساسي» إلى ملاك «الثانوي» الرسمي ما يصفونه بـ«السياسة الكيدية لوزارة المال»، عبر محاولات بعض موظفي الأخيرة إمرار مادة اشتراعيّة في مشروع الموازنة تطيح الدرجات والبدائل المالية المكتسبة
فاتن الحاج
قد تكون حكاية المرفَّعين من التعليم الابتدائي إلى التعليم الثانوي جزئية، لكنّها ترسم بلا شك مساراً للسياسات المالية المتبعة في وزارة المال مع موظفي القطاع العام ومنهم الأساتذة. هكذا، يصبح «الاقتناص» أمراً طبيعياً ما دام يبرر بالحرص على خزينة الدولة، ويُنصّب بعض الموظفين في الوزارة أنفسهم أوصياء على حقوق الأساتذة المكفولة بقوانين نافذة منذ أكثر من 10 سنوات.
لا يردع هؤلاء أن تكون القوانين موقعة من السلطات التنفيذية والاشتراعيّة والوزراء المعنيين. فهم لا يكفّون في كل عام عن إقحام نصوص ملتبسة في مشروع الموازنة، بهدف اقتطاع درجات مكتسبة من رواتب أساتذة ذنبهم الوحيد أنّهم حازوا شهادات أعلى بعد تثبيتهم في وظائفهم.
وآخر هذه المحاولات إقحام المادة 109 في مشروع قانون موازنة 2010 الذي يناقش حالياً في مجلس النواب.
تنص هذه المادة على عدم إفادة أفراد الهيئة التعليمية في الدولة، المنتقلين إلى فئات أعلى أو أسلاك أخرى، من الزيادات الاستثنائية وفقاً للقوانين 148 /99 و244 /2000 و344 / 2001 و250 /2000، أي من الدرجات والبدلات المالية المعطاة لهم بموجبها عند ترفيعهم إلى فئات أعلى أو نقلهم إلى وظائف أخرى، ويحصر تطبيق أحكام هذا البند بأفراد الهيئة التعليمية في الدولة.
ومما جاء في الأسباب الموجبة للمادة: «لما كان الأساتذة الثانويون وأفراد الهيئة التعليمة في ملاك التعليم الابتدائي والمتوسط ومن الفئات الرابعة والثالثة والثانية في ملاك مديرية التعليم المهني قد أعطوا بموجب القوانين المذكورة أعلاه بدلات مالية ودرجات استثنائية بقصد إنصاف حملة الإجازات، وأنّ استمرار استفادتهم من هذه العطاءات بعد ترفيعهم إلى فئة أعلى أو نقلهم إلى وظائف أخرى، إضافة إلى استفادتهم من العطاءات التي توفرها وظائفهم الجديدة من شأنه أن يجعلهم في وضع متميز عن زملائهم ويخل بمبدأ المساواة، فضلاً عن أنّه من غير الجائز، أن يستفيد من يعيّن أستاذاً ثانوياً من هذه الإجازة مرتين، مرة عند تعيينه في ملاك التعليم الابتدائي ومرة عند تعيينه في ملاك التعليم الثانوي».
يرفض الأساتذة المرفّعون الحديث هنا عن اللامساواة، إذا كانت ستتحقق على حساب فئة واحدة دون غيرها، فإما أن يكون هناك نظام موحد للرواتب في القطاع العام لا يُستثنى منه أحد، وإما أن تعطى الحقوق المكتسبة للأساتذة كاملةً. لذا، هم يطالبون بإلغاء هذه المادة كلياً لعدم دستوريتها وكونها تضرب المكتسبات.
من هم، أولاً، هؤلاء الأساتذة وماذا عن حكايتهم مع وزارة المال؟ هم مجموعة من المعلمين باتوا اليوم يُعدون بالمئات رُفّعوا من ملاك التعليم الابتدائي إلى ملاك التعليم الثانوي بعد خضوعهم لمباريات في مجلس الخدمة المدنية ودخولهم كلية التربية في الجامعة اللبنانية استناداً إلى مراسيم وقوانين.
سحبت الوزيرة بهية الحريري المادة المتعلقة بهذه القضية مرتين
أما القضية فبدأت مع مراجعة هؤلاء لدى الوزارة، بتاريخ 1/9 /2004، عبر كتاب طالبوا فيه بصرف مستحقاتهم استناداً إلى القانون 344 /2001 الذي أعطاهم 4 درجات استثنائية بدل إجازة. ولما لم يُتجاوب مع مطلبهم، راجعوا بالتنسيق مع رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب وزير المال آنذاك، دميانوس قطار، الذي لم يكن على علم، بحسب الأساتذة، بما يحصل في وزارته، ووجد في «موقف بعض الموظفين مخالفة للقوانين»، لذا وعدهم باستصدار مذكرة في هذا الخصوص.
وكان الوزير عند وعده. فأصدر المذكرة بتاريخ 18/6/2005 لكنها... حُجزت في أدراج الوزارة وعُرقل تنفيذها بعد رحيل قطار وتأليف حكومة جديدة. أما الأساتذة فقد «خطفوا» على طريقتهم المذكرة للاطلاع على مضمونها، علماً بأنّها ملك عام ويجب أن تكون في متناول الجميع. وتبين أن الوزير أعطى فيها التوجيهات اللازمة للدوائر المختصة بصرف المستحقات المالية.
بعد هذا الموقف الذي لم يفهمه الأساتذة، عادت القضية إلى نقطة الصفر، واضطروا مجدداً إلى الدفاع عن حقهم بمؤازرة رئيس رابطتهم، فاجتمعوا مع وزير المال الجديد حينها، جهاد أزعور، وكان هو الآخر متفهِّماً للموضوع وأصدر مذكرة بتاريخ 3/6/2006 موجهة تحديداً إلى مديرية الصرفيات في وزارة المال وإلى دائرة المحاسبة في وزارة التربية.
وبسبب معاناة المرفّعين مع التصرف السابق لهؤلاء الموظفين في وزارة المال، غير المسوّغ قانونياً، «خيّموا» في الوزارة وعمدوا مباشرة إلى الحصول على مذكرة أزعور قاطعين الطريق على «احتمال» مصادرتها. وهكذا كان، فسلموها مباشرة إلى رئيس دائرة المحاسبة في وزارة التربية. وقد كان إحساس هؤلاء في مكانه، فما إن عرف الموظفون أنفسهم، بصدور المذكرة واستحصال الأساتذة عليها حتى أُرسل اعتراض على المذكرة إلى دائرة المحاسبة مجدداً يوقف استفادة الأساتذة. لكن، ولحسن حظ الأساتذة أنّهم سبقوا «الرسالة الاعتراضية» بلحظات إلى رئيس الدائرة الذي عمد إلى تطبيق مضمون مذكرة الوزير، عملاً بالأصول القانونية والإدارية، وهكذا حصلوا على مستحقاتهم.
لاحقاً أيضاً، تجددت المحاولة لانتزاع حق الأساتذة عن طريق إدارج مادة في مشروع قانون الموازنة لسنة 2007، بعدما كانوا قد استعادوا هذا الحق بقوة القانون. لكن، وبناءً على مراجعة رئيس رابطة الأساتذة لوزيرة التربية آنذاك بهية الحريري، طلبت الوزيرة سحب المادة المتعلقة بهذه القضية.
لكن ذلك لم يمنع معاودة الكرة وإقحام فقرة بصفة «فقرة مضافة» إلى نص المادة الثالثة من المرسوم الرقم 2021 بتاريخ 22/5/2009 المتعلق بإعطاء ثلاث درجات استثنائية للمدرسين في التعليم الابتدائي والذي كان يبحث في لجنة التربية النيابية في بداية هذه السنة. وقُدم «تبرير مغشوش»، على حد تعبير الأساتذة، لرئيسة اللجنة وأعضائها «يزعم أن الدرجات المستحقة للأساتذة بالقانون 344، إنما حصلوا عليها لقاء حيازتهم الإجازة التعليمية وأنّه بموجب هذه الإجازة ذاتها رفّعوا إلى ملاك التعليم الثانوي».
الحقيقة التي غُيبت عن النواب والمتضمنة في القانون 344 هي أنّ الدرجات استحقوها لقاء قضائهم 16 سنة في الخدمة الفعلية، وهم يحملون إجازة في التعليم الابتدائي، أي درجة لكل أربع سنوات خدمة فعلية حملوا خلالها الإجازة. وأنّ التعيين برتبة تعليم ثانوي يستند إلى النجاح في مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية يتم بعدها الإعداد في كلية التربية والحصول على شهادة الكفاءة أو ما يعادلها ثم يتم بعدها التعيين في ملاك التعليم الثانوي.
المفارقة التي يسجلها الأساتذة أنّ النواب لا يعودون إلى القوانين لمعرفة صحة ما يُطرح عليهم في اللجان النيابية.
وبعد مراجعة المعنيين حُذفت الفقرة التي أضيفت والتي لم تكن موجودة أصلاً في نص المرسوم المحال من الحكومة إلى مجلس النواب، فعادت الطمأنينة مجدداً إلى قلوب الأساتذة.
مع ذلك، كأن شيئاً لم يكن. فبعدما أُقفل الباب أمام هؤلاء الموظفين في وزارة المال عادوا إلى محاولاتهم السابقة لسلب الأساتذة حقوقهم بالدخول من الشباك عبر إقحام نص المادة 109 الأخيرة.


اقتطاع يخالف القوانين

تخالف المادة 109 من مشروع موازنة عام 2010 المادة التاسعة من نظام الموظفين (المرسوم الاشتراعي 112 /59) «يعيّن الموظفون في الدرجة الأخيرة من الفئة إذا كان راتبها أعلى من راتبهم أو في الدرجة التي يوازي راتبها راتبهم في حال الموازاة بالراتب ويحتفظون بحق القدم المؤهل للترقية». وتتعارض مع المادة 17 «يستحق الراتب الجديد للموظف المرفع من فئة إلى فئة أعلى اعتباراً من تاريخ صدور المرسوم أو القرار القاضي بترفيعه». وتتناقض أيضاً مع المادة الأولى من المرسوم 13542/2004 «... يتقاضى المتعاقد الموظف أو المنتدب المعين راتب الدرجة الأولى إذا كان راتبه أقل من راتب هذه الدرجة أو الدرجة الأقرب لراتبه إذا كان راتبه أعلى من راتب الدرجة الأولى على أن يؤخر تدرجه بنسبة الزيادة أو النقصان». كما يتضمن قرار مجلس الخدمة المدنية 1497 بتاريخ 20/11/2006 الفقرة نفسها، فيما تنص المادة الأولى من المرسوم 7654/2002 على الآتي: «يحتفظ الطالب الموظف براتبه السابق إذا كان هذا الراتب يفوق راتب الدرجة الأولى».