أرشيف عالم الآثار الفرنسي موريس دونان، الذي عمل 58 سنة في لبنان سيعود بعد بقائه ثلاثة عقود في جنيف. بهذا تكتمل المعلومات عن جبيل لتعاد كتابة تاريخها
جوان فرشخ بجالي
موريس دونان، عالم آثار فرنسي عمل في لبنان خلال القرن الماضي لأكثر من خمسين عاماً، دأب خلالها على الكشف على أكبر المواقع الأثرية. اسمه يقترن باسم جبيل، فهو ممن كشفوا الموقع وأخرج الآثار إلى النور. وقد عمل على تأسيس «قسم الأثريات» خلال فترة الانتداب الفرنسي، وترأس القسم. ولكن، مع تغير الواقع السياسي واستقلال لبنان، ساهم دونان في تأسيس المديرية العامة للآثار التي أبقت له على امتيازاته، فبقي الناهي والآمر في مواقع جبيل، وأشمون في صيدا وأم العمد في الناقورة. اختار المواقع التي عمل فيها بإتقان. فهو مهتم بالآثار الفينيقية والكنعانية، وعمل على نبش المواقع التي تعود إلى تلك الفترات فقط. عمل بتأنٍ ودوَّن على مدى خمسين سنة ملاحظاته في دفاتره التي مثّلت أرشيفه الضخم. أرشيف ما لبث أن أرسله إلى خارج لبنان مع اندلاع الحرب الأهلية.
وكتب دونان رسالة شرح فيها ملابسات انتهاء حفريات جبيل وأسباب هروبه إلى فرنسا، ونشرت جامعة جنيف هذه المدونة على موقعها الإلكتروني، وهذه ترجمة أجزاء منها:
اسمه يقترن باسم جبيل فهو ممن كشفوا الموقع وأخرج الآثار إلى النور
«سنة 1969 ومع انتهاء حرب كيبور (يوم الغفران) انتُخب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية الذي أعلن قانوناً وظف خلاله عمال الحفريات. فانتهى بذلك قرار التنقيب الأثري في جبيل. وفي ربيع 1975 اندلعت الحرب اللبنانية الرهيبة التي دامت كل سنة 1976. فتخوّفت من الأسوأ وحضرت لنقل كل مدونات الحفريات الأثرية ومكتبتي الخاصة إلى فرنسا، ونقلت تلك الأمتعة كلها سنة 1975، ورتبتها في منزلي في السافوا. وسنة 1978 أخبرت بأن شقتي في بيروت التي كنت أسكنها منذ 1942 قد قُصفت ونُهبت. وفي سنة 1979، احتل الفلسطينيون منزلي الخالي في موقع أشمون في صيدا. في سنة 1980 أبلغت بأن كل القطع الأثرية المكتشفة في موقع معبد أشمون، والتي كانت تُحفظ في مخازن الموقع، قد نقلت إلى قلعة جبيل في مهلة لا تتخطى الثمانية أيام نظراً لتكرار عمليات النهب للموقع. وفي سنة 1981، وحينما كنت في إجازة في فرنسا، وصلني الخبر بأن أعود إلى لبنان على نحو طارئ لأتأكد مما سرقه أفراد من حزب سياسي من مخازن جبيل (السرقات توازي خمسة كميونات صغيرة). وفي أيلول من تلك السنة أُعيد إلينا ثلاثة كميونات على أساس أنها محمّلة بالقطع الأثرية المسروقة ولكن بعد الفحص تأكدنا من أن بعضاً من القطع الموضوعة في تلك الصناديق ليس أثرياً والقسم الآخر مكتشف في مواقع مغايرة لجبيل وأشمون... وعدت في كانون الثاني 1983 إلى بيروت لأكتشف أن أغراض بيتي ومكتبي خبئت في مطابخ المركز الفرنسي. فكانت هذه الرحلة نهاية المطاف إلى لبنان حيث عملت لـ58 سنة في الحفريات الأثرية المتواصلة». التنقيبات الأثرية المكثفة التي قام بها دونان، أبعدته عن النشر العلمي المفصل بالمعنى المتعارف عليه حالياً. فكتبه كانت مجرد ألبومات صور للقطع المكتشفة من دون إعطاء تفاصيل دقيقة عن كيفية الاكتشافات. ما حوّل جبيل إلى موقع أثري نجهل تفاصيل تاريخه والتسلسل الزمني للحقبات التي عرفتها المدينة. فهناك نظريات عدّة عن دور المباني الأثرية من دون أي تأكيد على ذلك، نظراً لاستحالة الوصول إلى أرشيف دونان. هذه الدفاتر كانت مخبأة في مكتبات جامعة جنيف التي حافظت عليها، والتي تعيدها الأسبوع المقبل إلى لبنان.
سيعود هذا «الكنز» عن الاكتشافات الأثرية إلى لبنان بجهود المديرية العامة للآثار وبإشراف وزارة الثقافة، وسيعقد الوزير سليم وردة لهذا الحدث مؤتمراً صحافياً يشرح فيه أهمية الأرشيف الذي سيوفّر لعلماء الآثار فرصة فهم ما لم يُعرف عن جبيل، وستعاد كتابة جزء من تاريخ لبنان القديم.