مرةً جديدة تقف جهات أمنية في وجه «حرية التعبير»، المهندس والناشط إسماعيل الشيخ حسن أوقف «بسبب مقال»، والمتابعون قالوا إن مديرية استخبارات الجيش هي التي أوقفته
بيسان طي
مرةً أخرى يدفع كاتبٌ ثمن «حرية التعبير» في لبنان، بعد مضيّ أيام قليلة على استدعاء الزميل حسن عليق، أوقف الباحث والمهندس المعماري إسماعيل الشيخ حسن أول من أمس «على خلفية مقال» نشره في 12 أيار الماضي في الزميلة «السفير»، وانتقد فيه الممارسات العسكرية والسياسية في التعاطي مع عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد.
واللافت أنّ الجهات التي أوقفت الشيخ حسن لم توضح أسباب التوقيف، بل جرى تسريبها، إذ نُقل عن مسؤول أمني أن التوقيف جرى اعتراضاً على ما تضمّنه المقال، ورأى أنّ الشيخ حسن يسيء في تصريحاته الإعلامية إلى المؤسسة العسكرية، وأضاف المسؤول «يُعتقد أن استخبارات الجيش أوقفته بناءً على قرار من وزارة الدفاع، ولا خلفيات أمنية لهذا التوقيف». إسماعيل الشيخ حسن، مهندس وباحث يعدّ أطروحة دكتوراه في جامعة بلجيكية، كما أنه يعدّ كتاباً يشارك فيه عدة باحثين عن مخيم نهر البارد. كان الشيخ حسن قد عمل متطوّعاً في إعادة إعمار بلدة عيتا الشعب الجنوبية بعد حرب تموز، ثم انتقل للاهتمام بخيم اللاجئين الفلسطينيين أو «البارد»، وتولى إدارة «هيئة إعمار نهر البارد». المتابعون لنشاطه يتوقفون ـــــ بإعجاب ـــــ أمام المجهود الذي بذله، فقد تمكّن من فرض شراكة مع الأونروا، وأصر على إعادة إعمار تأخذ بعين الاعتبار التوزيع المدني السابق للمخيم، علاقات الجيرة، الأحياء التي كان يسكنها أبناء بلدات واحدة من فلسطين وما إلى ذلك.
يضيف المتابعون لنشاط إسماعيل إنه كان يتولى عملية التفاوض أو النقاش مع ضباط من الجيش في إطار عمله لإعادة إعمار المخيم، وذلك بعدما أُعلن «نهر البارد» منطقة عسكرية، و«كان يصل معهم إلى تسويات مقبولة تأخذ بعين الاعتبار الحد الأدنى من الحاجات الضرورية في إعادة الإعمار».
لم تُعلَن أسباب توقيف الشيخ حسن بل جرى تسريبها
دارت خلافات في الهيئة فابتعد عنها الشيخ حسن لبعض الوقت، ولم يزر المخيم لشهور، ولما قصده أول من أمس جرى توقيفه عند الحاجز العسكري، واللافت أنه أُحيل أمس على الشرطة العسكرية. قضية الشيخ حسن أثارت استياءً كبيراً، أصدقاؤه حاولوا إجراء اتصالات بمعنيّين بقضايا التوقيف، فردّدوا أمامهم أنّ القضية مرتبطة بما كتبه في صحيفة «السفير» وبما يدلي به من تصريحات تنتقد التعاطي مع أهالي المخيم، و«السياسة العسكرية» المتّبعة في قضية إعادة الإعمار. وقد حاول بعض الأمنيّين تسريب أخبار عن «خلفيات أمنية» للتوقيف، وبأن ثمة جهة في المخيم نقلت إلى القادة الأمنيّين «كلاماً عن كلام تحريضي يقوله الشيخ حسن في المخيم ضد الجيش اللبناني».
الفرضية الأخيرة نفاها أكثر من مسؤول أمني. أما أصدقاء الشيخ حسن، فلم يملّوا متابعة قضيته، تلقّوا وعوداً كثيرة عن إخلاء سبيله، وكان من المفترض أن يستعيد حريته ليل أمس وفق الوعود، لكنه حتى الساعات الأولى من المساء كان لا يزال موقوفاً عند الشرطة العسكرية في الشمال، التي نُقل إليها بعدما أوقف قي مركز لاستخبارات الجيش في القبّة.
أحد المحقّقين الذين تولّوا التحقيق مع الشيخ حسن قال لمتابعين لقضيته مازحاً إن ذلك ثمن حرية التعبير، لكنه أضاف إن القضية متعلقة بالمقال الذي كتبه المهندس الشاب. يقول حقوقيون إنّ توقيف الشيخ حسن يمثّل مخالفة قانونية على أكثر من صعيد، إلّا أنّ الأبرز أن المقال نُشر قبل أكثر من ثلاثة شهور «أي مر عليه الزمن»، وكان يجب الاعتراض عليه قبل هذه الفترة، ولكن بالطبع من دون توقيف الكاتب. القضية الثانية، تتعلق مرة أخرى بالتوقيف الاحتياطي الذي لا يجوز في حال الاعتراض على مقال، فالاعتراض كما أسلفنا يجري عبر أساليب قانونية أخرى. أخيراً، فإن أكثر ما يقلق حقوقيّين وناشطين من أجل حرية التعبير يتمثّل في عملية التوقيف، فالجهة التي نفّذتها لم تُعلن الأسباب التي دفعتها إلى توقيف الشيخ حسن.