تأجّل الموعد الذي كان مقرراً اليوم للّقاء بين عائلة العلي وممثلين عن اليونيفيل وشركة التأمين. الموظف لم يُسلم إلى القضاء اللبناني بعد، وقيادته لا تمانع تسليمه، فيما جهات قضائية تفضّل التريث حتى استنفاد الوسائل «الحبيّة» لتسوية الأمر
الناقورة ــ آمال خليل
التحقيق في قضية وفاة أحمد العلي (50 عاماً) يلفت إلى معلومات جديدة، فقد ورد في تقرير الطبيب الشرعي إثر معاينة جثة الضحية أنه تبيّن وجود جرح بالغ في الرأس على الجبين، وكسر في الأنف، وجرح في الوجه، وخلع في مفصل الرقبة، وكسر بالغ في الساق اليسرى، وكسور متفرّقة في الأضلاع. نجمت تلك الإصابات عن الاصطدام بجسم صلب، وقد حدث نزف في الصدر، حيث تركّزت الضربة على الجهة الأمامية، وتحديداً في الجزء العلوي من جسد العلي. يشير التقرير أيضاً إلى أن الوفاة حصلت بين الساعة الثالثة والرابعة من فجر يوم السبت الفائت، وبناءً عليه، فإن الضحية توفّي بسكتة قلبية متأثراًَ بجراحه، بعدما نزف واستغاث من دون نتيجة؛ وذلك استناداً الى اعتراف الفاعل بأن الحادثة وقعت قرابة الحادية عشرة من ليل الجمعة.
الساعات الأربع أو الخمس التي نزف فيها العلي وحيداً كانت كافية لإنقاذ حياته، بحسب الطبيب الشرعي «لأن الحادثة لم تسبّب نزفاً في الرأس بل في الصدر، فيما الضربات الأخرى لا تمثّل خطراً على حياته»، لو أنّ الموظف رودولفو ك. الحامل الجنسية الغواتيمالية، تحمّل مسؤوليته، ونقله الى أقرب مستشفى يقع عند مدخل صور الجنوبي، على بُعد كيلومترات قليلة من مكان الحادث، الذي وقع في منطقة الاسكندرونة بين بلدتي الناقورة والمنصوري. إلا أن قراره متابعة طريقه الى منزله القائم في صور سرق من العلي فرصة النجاة والعودة الى الحياة والى عائلته الفقيرة في مخيم البرج الشمالي، التي يعيلها بالعمل أجيراً في أحد بساتين الموز في المنطقة حيث صدم.
إشارة الى أن رودولفو لم يجزم في اليوم التالي للحادث بأنه صدم كائناً بشرياً، بل أشار الى أنه «اصطدم بشيء ما». إلا أن القوى الأمنية التي عاينت مكان الحادث أشارت الى وجود بطارية مضاءة بحوزة الضحية كان يحملها بيده بينما كان يقطع الشارع. وعليه، فإن السائق «كان بإمكانه، لو أنه انتبه للضوء واستدار عنه، أن لا يصدمه ويطيّره أكثر من 12 متراً عن الطريق باتجاه بستان الموز الواقع بمحاذاتها».
من هنا، فقد أصرت عائلة العلي في الشكوى التي رفعتها أمام مخفر علما الشعب، الذي تتبع له منطقة الحادث، على أن تتهم السائق بالقتل العمد وتطالب بمحاكمته بهذه الجناية. إلا أن اللافت أنه رغم مرور أسبوع على الحادثة، لا يزال المحضر مفتوحاً في المخفر من دون أن يحوّل الى النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب. والأمر يعود الى أنّ الفاعل لم يسلَّم بعد الى القوى الأمنية، رغم وجوده داخل مكان عمله في المقر العام لقيادة اليونيفيل في الناقورة، ورغم أنه غير مشمول بالحصانة التي يتمتع بها الموظفون العسكريون في اليونيفيل، الذي يلزم أمر توقيفهم أو استدعائهم للتحقيق أخذ موافقة الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك.
لكنّ التقاعس عن التسليم لا تتحمله قيادة اليونيفيل، التي أعربت عن موافقتها على تسليم موظفها وتوقيفه لدى القوى الأمنية اللبنانية، أولاً في مخفر علما ثم تحويله الى قصر العدل في صيدا. إلا أنّ جهة قضائية معنية، فضّلت «تأجيل المطالبة به ريثما يتوصل الطرفان الى التسوية المتمثلة بدفع تعويض مادي لأهل الضحية من جانب شركة التأمين التي تتعاقد معها قيادة اليونيفيل لتأمين سياراتها المدنية» بحسب مسؤول أمني متابع للتحقيقات، بما أنّ السيارة التي كان يقودها الموظف تابعة للأمم المتحدة.
إلا أن المسؤول لمّح إلى أن قيادة اليونيفيل أيضاً «حريصة على حماية موظّفها وتفضّل تسليمه بعد إنجاز مفاوضات التسوية مع أهل الضحية». في المقابل، يضع المسؤول نصب عينيه احتمال مغادرة الموظف خارج البلاد، لذا فإن مذكرة بحث وتحرّ قد تصدر بشأنه، فيما لو وافقت الجهات القضائية المعنية.
من جهتها، لم تستبعد العائلة التوصل إلى «حل حبّي مرضٍ» عبر إقرار تعويض مادي محقّ، تبادر العائلة بموجبه الى إسقاط حقها الشخصي.


لائحة ضحايا الأمم... طويلة

ليست هذه المرة الأولى التي يقضي فيها مدنيون في الجنوب ضحية حادث سير أو صدم مع قوات اليونيفيل في منطقة عملها في جنوبي الليطاني. فقد اجتاح صهريج تابع للقوة البولندية سيارة مدنية في العديسة في تموز 2007. الحادث أدى إلى مصرع ماهر حمدان وزوجته وولديهما من ميس الجبل، وفجّر حملة احتجاج كبيرة استدعت تدخل القائد السابق الجنرال كلاوديو غرازيانو لإرضاء الأهالي الغاضبين. الحوادث لم تنته كما أسبابها التي يردّها كثيرون إلى السرعة الفائقة في القيادة من جانب الجنود الدوليين لآلياتهم الضخمة على طرقات البلدات الضيقة. فقد قُتلت سيدة من بلدة القليلة في اصطدام بين سيارتها وآلية تابعة للوحدة الإيطالية. أما الفرنسيون، فقد سبّبوا مقتل جندي في الجيش اللبناني من بلدة فرون إثر اجتياح دبابة لوكلير لدراجته النارية على الطريق الرئيسية لبلدة برج قلاويه. وفي كانون الثاني الفائت، أدى انزلاق مدفع من على آلية عسكرية تابعة للوحدة الفرنسية على سيارة مدنية على الطريق الرئيسية لبلدة دير قانون النهر الى مقتل سائقها على الفور. إلا أنّ ضحايا حوادث السير المروّعة التي يتعرض لها جنود اليونيفيل ليست مقتصرة على الجنوبيين. فقد سقط عدد منهم في حوادث متفرقة، كان آخرها مقتل جنديين فرنسيين وجرح ثلاثة إثر انقلاب آلية كانت تقلّهم قرب راشيا الفخار في شهر تموز الفائت.