جوانّا عازارتتبُّع الشرائط البيضاء التي تزيّن بلدة حصرايل الجبيليّة يوصل إلى منزل والد ر. أ.س، الذي توفي صباح الخميس في مستشفى المعونات في جبيل. صور الراحل تزيّن جدران المنزل الوالديّ الذي يعلو منه صدى البكاء. على بعد أمتار قليلة، تقع كنيسة مار فوقا في وسط البلدة. الطريق إليها هادئة، رغم كثرة الوافدين إليها لتقديم واجب العزاء، ورغم زحمة السيارات المتوقّفة على جانبي الطريق. هو هدوء حزين يخيّم على أجواء البلدة وينسحب أيضاً على الأجواء المخيّمة في باحة الكنسية. هنا، انتظر أعضاء فرقة من موسيقى جعيتا وصول جثمان الراحل ليعزفوا موسيقى الموت. منذ الساعة الخامسة تقريباً، أي قبل موعد الدفن بساعة، بدأ يصدح صوت الموسيقى. أهل حصرايل حضروا إلى المكان، فضلاً عن أبناء وأقارب من البلدات المجاورة ومن بلدة غلبون (بلدة والدة الراحل). الوالدة صوفيّا جلست على كرسيّ في باحة الكنيسة، حملت في يدها الأولى صورة ابنها الراحل وفي يدها الثانية قميصاً أزرق يعود إليه. كلمات قليلة تفوّهت بها الوالدة، قطعها شهيقها بالبكاء أكثر من مرّة، قبل أن تدخل إلى الكنيسة عند السادسة مساءً حين بدأت مراسم الدفن.
لم يحدد أي تقرير رسميّ أو خاصّ السبب الفعلي للوفاة
هنا، في وسط الكنيسة، ارتفع نعش أبيض مقفل ومزيّن بالورود البيضاء سُجي في داخله الراحل. النعش ليس مفتوحاً. بكاء كثير وكلام قليل رافقا المراسم التي جرت بحضور رسميّ للعماد ميشال عون ممثّلاً بالنائب عن جبيل سيمون أبي رميا وبالرئيس أمين الجميّل ممثلاً برئيس إقليم جبيل الكتائبيّ رفيق الفغالي. حرارة الطقس المرتفعة، وخصوصاً في الكنيسة، رافقها كلام حارّ من كاهن الرعيّة في حصرايل، خاطب فيه الراحل «الذي بكّر في الرحيل، تاركاً وراءه والدته صوفيّا ووالده إلياس وشقيقته زهيّة وشقيقه رائد وزوجته ندوى مفجوعين وفي حالة من الصدمة». الراحل الذي «سيفتقده أهله وأصدقاؤه ورعيّته»، كان حسب كاهن الرعيّة «كبير القلب، صاحب قلب أبيض»، وكلام مؤثّر يشير خلاله الكاهن إلى «شوق كبير تملّك قلب الراحل للذهاب إلى الدنيا الأخرى للقاء ابنه شربل الذي سُجي قبل سنة في الكنيسة عينها. وبعد هذه المدّة تقف الزوجة ندوى لتودّع زوجها بعدما ودّعت ابنها».
ينتظر الجمع «بيت القصيد» أو ما سيقوله الكاهن عن سبب وفاة الراحل. فيقول إنّ السبب بقي لغزاً، إذ «لم يصل إلى العائلة حتّى الآن أيّ تقرير رسميّ صادر عن أيّ جهة رسميّة أو خاصّة يحدّد السبب الفعلي للوفاة»، في إشارة إلى وفاة الراحل، إثر تعقيدات بعد إصابته بأنفلونزا الخنازير كما ذكر أمس في الإعلام، بما فيه الرسمي، من دون أن يحدد إن كان الأهل قد طلبوا تقريراً من هذا النوع. «احتمالات كثيرة واردة» يقول الكاهن، مشيراً إلى أنّ الوفاة «ممكن أن تكون ناتجة من خطأ طبيّ حصل في المستشفى، أو نقص في دماء الراحل أو غيره». أي شيء يجبر خاطر العائلة. كأن الموت بهذا الفيروس ليس مجرد سبب كغيره من الأسباب. يناشد الكاهنُ الراحلَ من عليائه أن يصلّي لأهله ولكلّ المعنيين ليصلوا إلى الحقيقة التي تتعلّق بوفاته.
وبعد انتهاء المراسم، علا صوت موسيقى الموت من جديد. اجتمع الحاضرون في باحة الكنيسة، قدّموا واجب العزاء بصورة طبيعيّة إلى أهل الفقيد قبل أن ينتقلوا إلى منزله الوالديّ. وشوشات سمعت من هنا وهناك، منها ما أشار إلى أنّ سبب الوفاة لا يمكن أن يكون أنفلونزا الخنازير أو الطيور، إذ لم يغلّف النعش بطريقة استثنائيّة، ومنها ما ردّد كلام أهل الراحل بأنّ خطأً ما حصل في المستشفى كان السبب الفعليّ للوفاة، ومنها ما أشار إلى أنّ الراحل، وإن كان مصاباً بالأنفلونزا، إلا أنّه شفي منها، وبالتالي لم تكن هي السبب الفعليّ للوفاة، وآخرون لا يعرفون ماذا يقولون. «لقد توفي، كلّنا هنا وتأكيدات وصلتنا بأن لا خوف من أي عدوى أو أيّ انتقال للمرض لأبناء البلدة»، من دون ذكر من الذي أكد لهم ذلك.