وسام كنعان
كحفنة رماد مرميّة في الريح، عاش حسن سامي يوسف طفولته مثل كلّ أطفال النكبة. الفقر والجوع والحرمان والاضطهاد، ذكريات مقيمة في ذهن الكاتب الفلسطيني السوري... «لم أنعم بأية طفولة في طفولتي»، كتب أنطون تشيخوف مرّة. والعبارة نفسها يتبنّاها صديقنا، فيما تبرق عيناه بمرارة دفينة، ليختصر تشرده الأوّل بين مخيّمات سوريا ولبنان. في مدراس «الأمم المتحدة» تلقى تعليمه الابتدائي. «قدّمت هذه المنظمة للشعب الفلسطيني بعض الأغذية والأدوية، مقابل موافقتها على تشريده»، يقول.
البرد القارس في ليالي مخيم بعلبك، جعل أحلام الطفل تقف عند حدود رغيف خبز يسد جوعه، وحذاءٍ يحمي قدميه من التجمّد. تلك الظروف جعلته ينتشي فرحاً بهديته الأولى من «الأونروا». كانت حذاءً جميلاً للغاية، ومن النوعية الممتازة... وكلّ فردة منه بلون. تفصيل لم يمنع ابن المخيّم من ارتدائه بكلّ غبطة وسرور.
توفي والد حسن قبل أن يتجاوز السابعة من عمره، ليطبق الحرمان قبضته بحزم على حياة العائلة. غياب والده رسّخ في ذهنه حلم العودة إلى الأرض المحتلة، وخصوصاً أن الأب كان يملك مساحات شاسعة من الأراضي وزعها بالتساوي على أبنائه قبل أن يغتصبها الاحتلال الصهيوني. أخوه الأكبر الناقد يوسف يوسف، كان بوابته الأولى إلى عالم القراءة. كلما تدبر كتاباً واقتناه، كان يعيد الأخ الأصغر قراءته من بعده. هكذا تعرف حسن إلى الشعر مع المعلقات، وتأثر بطرفة ابن العبد، ثم قرأ المتنبي وجبران ثم تشارلز ديكنز... وسيعشق لاحقاً «شاعر الأرض» محمود درويش الذي سمّاه المتنبي الثاني. «في جزء من تجربته، جسّد حقيقة المأساة الفلسطينية كما لم يفعل سواه».
انتقلت العائلة الفلسطينية إلى سوريا بعد ثماني سنوات قضتها في مخيمات اللجوء في لبنان، فبدأت الظروف بالتحسن نوعاً ما. أكمل حسن دراسته في «ثانوية عبد الرحمن الكواكبي»، وعمل في الوقت نفسه مع أخيه لإعالة العائلة. وبعد حصوله على الشهادة الثانوية، كانت بداية الطريق نحو تحقيق حلمه القديم. «وضعت نصب عيني أن أصبح كاتباً. بدأت تجربتي منذ المرحلة الثانوية، وقد لقيت التوجيه والتحفيز من أستاذ اللغة العربية حينها الشاعر شوقي بغدادي».
أوفدته وزارة الثقافة السورية ليدرس كتابة السيناريو السينمائي في «معهد السينما لعموم الاتحاد السوفياتي». هناك خبر طعم الحرية والانفتاح. رحلةٌ جعلته يتأثر بدستويفسكي وبلزاك. تلك النقلة النوعية جعلته يأخذ وقتاً طويلاً حتى يعيد ترتيب أدواته، ويبني كيانه المستقل ضمن المعطيات الجديدة... حتى اليوم، تأخذ موسكو حيزاً كبيراً من قلبه، لكنّه لم يفكر يوماً بالانتساب إلى «الحزب الشيوعي» أو أي حزب آخر. يحمل في قلبه عشقاً قديماً للزعيم الراحل جمال عبد الناصر ولفكره... حلمه المنتظر بتوحيد الأمة العربية تجلى في نظر حسن سامي يوسف في الأغاني الوطنية لعبد الحليم حافظ.
في معهد السينما بدأ مشوار الكتابة. قدّم مشاريع سيناريوات، ثم كان عليه أن يقدم سيناريو فيلم روائي طويل مشروعاً للتخرج. وبعد عام واحد من تخرجه وعودته إلى دمشق، كتب سيناريو شريطه الأول «الاتجاه المعاكس» (1975) الذي أخرجه مروان حداد، ثم سيناريو «اللعبة» وهو فيلم قصير أخرجه هيثم حقي. وكتب أيضاً «يوم في حياة طفل» لمأمون البني الذي حاز «التانيت الذهبي» في مهرجان قرطاج عام 1980. بعد ذاك سيطرت على الكاتب نزعة الاتجاه نحو العمل الأدبي... «لأنني أردت أن يحمل عملي توقيعاً واحداً باسمي وحدي، من دون كل الأسماء التي تظهر على الفيلم السينمائي».
هكذا أنجز روايته الأولى «الفلسطيني» وأتبعها بخمس روايات أخرى هي حصيلة نتاجه الأدبي. لكن كتابة الرواية وحدها لم تستطع أن توفّر له ظرفاً مادياً مستقراً، فبحث عن عمل لا يتعارض مع مشروعه الأدبي. هكذا كانت بداياته في مجال السيناريو التلفزيوني مع مسلسل «شجرة النارنج»، تلته مجموعة مسلسلات أنجزها منفرداً قبل أن تبدأ شراكته مع نجيب نصير، وما نتج منها من أعمال حقّقت نجاحاً مدوياً في الوطن العربي: من «نساء صغيرات» (1999)، إلى «أسرار المدينة» (2000)، ثمّ «أيامنا الحلوة» (2003)، و«الانتظار» (2006)، و«زمن العار» العام الماضي.
ورغم الترحيب الكبير الذي لقيه عملاه الأخيران، إلا أن يوسف يرى أنّ أفضل ما كتبه للتلفزيون بشراكة نصير كان «حكاية خريف» (2004). «ما حصل أن العمل أنتجه التلفزيون السوري ولم يحالفه الحظ من ناحية الإنتاج ولا من جهة التسويق». اليوم ينجز الشريكان عملاً عن الصعلكة الدمشقية «بمعناها الحقيقي»، إلى جانب تركه مساحة للحديث عن الأوبئة الحديثة مثل أنفلونزا الطيور.
لكنّ ورشة السيناريو الثنائية تلك لم تثنه عن الاستمرار في الكتابة منفرداً للسينما: وقّع «سبع دقائق إلى منتصف الليل» (2008) و«بوابة الجنة» (2009) عن رواية له تحمل العنوان نفسه. لكن التجربتين لم تلقيا رواج أعماله التلفزيونيّة... «قد يكون السبب سوء الإنتاج أو أنني لم أوفق في السيناريوين».
ولا يمكن تناول مسيرة حسن سامي يوسف، من دون التوقّف عند المرأة التي كان لها حضور في حياته، من حبيبات المراهقة في المخيم إلى زوجاته على كثرتهن. «المرأة التي تورّطت معها في قصة حب كبيرة لم أتزوجها... لكنني تزوجت أكثر من مرة وطلّقت، وأحياناً كثيرة، لم أكن أنا صاحب قرار الطلاق». أما أصدقاؤه فهم قلائل جداً رغم كثرة من يحيطون به، فالصديق الذي يمكن أن يبوح له بمكنوناته «عملة نادرة».
«أبو علي» كما يناديه أصدقاؤه، لم يذق طعم الأبوة. عندما نسأل عن لقب أبو علي، وما إذا كان التقليد الفلسطيني الرائج، يضحك قبل أن يجيب: «لا تذهب بعيداً. التفسير أكثر مباشرة وبساطة. كل حسن في ثقافتنا العربيّة هو أبو علي».
الشهرة التي عرفها الكاتب الفلسطيني لم تغيّر من علاقته بالعالم وأولويّاته، إذ بقي حلمه لصيقاً بقضايا شعبه. «كل الأحلام ضائعة، وكل الطموحات مفقودة، ما دام الوطن مفقوداً».


5 تواريخ

1945
الولادة في طبريا (فلسطين).
بعد ثلاث سنوات جاءت النكبة لتقتلع العائلة من أرضها، إلى مخيمات اللجوء بين لبنان وسوريا

1967
بعثة من «وزارة الثقافة السورية» لدراسة السيناريو في الاتحاد السوفياتي

1975
أول سيناريو روائي طويل بعنوان «الاتجاه المعاكس» من إخراج مروان حداد. بعد أربع سنوات أسّس «مهرجان دمشق السينمائي» مع مجموعة من السينمائيين السوريين

1989
أول أعماله على الشاشة «شجرة النارنج» من إخراج سليم صبري

2010
مسلسل عن صعاليك دمشق
مع نجيب نصير، بعدما نال عملهما «زمن العار» جائزة «مؤسسة دبي للإعلام» العام الماضي