قبل أن نسأل كيف يمكن أن «يتابع» الوزير إبراهيم نجار «موضوع شهود الزور» (في التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري) إذا لم يكن للسلطات القضائية اللبنانية اختصاص قانوني بذلك، يفترض أن نسأل عن كيفية تحديد الاختصاص وما هو موقف المحكمة الدولية؟

عمر نشّابة
«في هذه القضية، يرى المدعي العام، بعد النظر بعمق في كل المواد التي جمعتها لجنة التحقيق والسلطات اللبنانية ومكتبه، أن المعلومات التي بحوزته حالياً ليست موثوقة بما فيه الكفاية لتبرير توجيه الاتهام إلى الأشخاص الموقوفين». قال دنيال فرانسين، قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 29 نيسان 2009 (الفقرة 12). وأمر القاضي البلجيكي السلطات اللبنانية بفكّ احتجاز الضباط الأربعة اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان الذين سجنوا بناءً على قرار صدر عن المحقق العدلي القاضي الياس عيد واستمرّ سجنهم بعدما استُبدل بالقاضي صقر صقر. لكن وصف فرانسين المعلومات التي سجن هؤلاء الضباط على أساسها بأنها «ليست موثوقة بما فيه الكفاية» يستدعي الانتباه. فذلك يعني أن المعلومات التي جمعها المحققان العدليان عيد وصقر «ليست موثوقة»، ما يتطلّب، بحسب الأصول، البحث عن الأسباب التي أدت إلى ذلك. هل زوّد «شهود» المحققين بمعلومات غير صحيحة؟ أم هل زرعت «أدلّة» في مسرح الجريمة أم في شبكة الاتصالات وفي أماكن أخرى؟ وما هي دوافع من يقف خلف «شهود الزور» وكيف فُبركوا؟
أوساط دنيال بلمار تسأل عن علاقة لشهود الزور في جريمة اغتيال الحريري أم أن الأمر مرتبط بنزاعات داخلية لبنانية؟ وبالتالي فإن الاختصاص للنظر في «شهود الزور» لبناني. مكتب المدعي العام الدولي أكّد لـ«الأخبار» أمس أن «هذه القضية حصلت قبل انطلاق عمل المحكمة، وبالتالي لا اختصاص للمحكمة للنظر فيها». ويشرح أحد المقرّبين من بلمار عبر الهاتف من لاهاي أن «التحقيقات التي جرت قبل آذار 2009 كان يجريها القضاء اللبناني بمساعدة لجنة التحقيق الدولية المستقلّة، وبالتالي فإن السلطة المختصة آنذاك كانت لبنانية». ويستعين المصدر الدولي المسؤول بنصّ القرار 1595 (7 نيسان 2005) الذي ورد فيه «إنشاء لجنة مستقلة دولية للتحقيق تتخذ من لبنان مقراً لها، لمساعدة السلطات اللبنانية في التحقيق الذي تجريه في جميع جوانب هذا العمل الإرهابي، بما في ذلك المساعدة في تحديد هوية مرتكبيه ومموليه ومنظميه والمتواطئين معهم».
لكن رغم أن للقرار الدولي أولوية على أي نصّ آخر يتعلّق بعمل اللجنة، لكن ديتليف ميليس تمكن على ما يبدو من إقناع السلطات اللبنانية (ممثلة بالوزير خالد قباني) بالتوقيع على مذكرة تفاهم «بين حكومة الجمهورية اللبنانية والأمم المتحدة حول سبل التعاون للجنة التحقيق الدولية المستقلة» (16 حزيران 2005) ورد في نصّها: «يحق لها (لجنة التحقيق الدولية) إعطاء التوجيهات للسلطات المختصة بشأن أي عمل يجب، أو لا يجب، القيام به خلال هذه التحقيقات ﺑﻬدف الحفاظ على الأدلة أو الحصول عليها» (الفقرة 5).

لشهود الزور علاقة بجريمة اغتيال الحريري أم أن الأمر مرتبط بنزاعات داخلية لبنانية؟

رضخ المدعي العام لدى محكمة التمييز سعيد ميرزا والمحققان العدليان عيد وصقر لأحكام هذه الفقرة بينما كان يمكنهم الاعتراض عليها بحجة أن صلاحية «إعطاء التوجيهات» يتعارض مع التكليف بـ«المساعدة». وبالتالي فإن الصلاحية القانونية في التحقيق بجريمة 14 شباط 2005 منذ وقوعها وحتى آذار 2009 والاختصاص القانوني يعودان حصراً للقضاء اللبناني. ولا يمكن أن تنفي أوساط قصر العدل في بيروت ذلك، لكن تكرّر تلك الأوساط أن الاختصاص انتقل منذ آذار 2009 إلى المحكمة الدولية، ما يعني أن كلّ ملفّات التحقيق انتقلت إلى لاهاي. لكن يتبين من خلال ما ورد على لسان داريل مينديس المحامي العام في مكتب المدعي العام الدولي في 13 تموز 2010، أن ذلك غير صحيح.
مينديس، بحسب مسؤول في المحكمة في لاهاي، أراد أن يؤكد أن الاختصاص للنظر في شهود الزور يعود للسلطات اللبنانية عندما أشار إلى أن الملفات التي أرسلت من بيروت إلى لاهاي تضمّنت معظمها نسخاً عن المستندات وليس المستندات الأصلية، ما يعني أن ملف «شهود الزور» ما زال في أدراج السلطات القضائية اللبنانية (انظر الكادر).

(الحلقة الثالثة غداً: تمويه قانوني لاعتقال تعسّفي)


«الأصل» في بيروت

قال داريل مينديس المحامي العام لدى مكتب المدعي العام الدولي في 13 تموز 2010 خلال جلسة استماع علنية عقدت في مقرّ المحكمة في لاهاي وترأسها القاضي دنيال فانسين: «كما تعلمون وكما تؤكد الفقرة 13 من تقرير المدعي العام في 27 نيسان 2009، تسلّم مكتب المدعي العام في 10 نيسان 2009 عشرة صناديق تتضمن مواد أرسلتها السلطات اللبنانية وهي253 ملفّاً في كلّ منها عدد من المستندات. ليست لدينا معلومات عن احتفاظ السلطات اللبنانية بأي ملفّ». مينديس أضاف: «لكن يبدو أن معظم المواد التي وصلتنا هي نسخ (photocopies)»، وكرّر «يشير ذلك إلى أن الصناديق العشرة التي وصلتنا والتي تتضمّن 253 ملفّاً، تبين بعد فحصها أن معظم تلك الوثائق هي نسخ». يعني ذلك بحسب المحامي العام الدولي أن الملفّ الذي يتضمّن المستندات الأصلية حول «شهود الزور» ما زال في أدراج قصر العدل.