على أبواب العام الدراسي الجديد، يسود الارتباك ثانوية الحرج الرسمية للبنين بشأن انتقالها من مبناها المستأجَر إلى مبنى مدرسة الباشورة المملوك من الدولة. أمّا من يعطّل الانتقال فمدير صدر بحقه قرار تفتيش مركزي لم ينفّذ!
فاتن الحاج
لا يزال المدير س. ز، يحلّ ويربط في إدارة ثانوية الحرج الرسمية للبنين، كأنّ هيئة التفتيش المركزي لم تصدر بحقّه قراراً يؤخّر تدرّجه تأديبياً 12 شهراً، ويجعله بحكم المعفى من أداء مهمّاته لكونه «أقدم على تحوير علامات بعض التلامذة في الثانوية». وفي التفاصيل أنّ س. ز. تلاعب بعلامات أولئك التلامذة «في الثانوية، ولا سيّما في الصفين الأول الثانوي والثاني الثانوي، بغية تعديل نتيجتهم النهائية للعام الدراسي 2008/2009، وإنجاحهم على مستويات ثلاثة: دفتر علامات الأستاذ، لائحة العلامات المقدمة من جانبه، وسجل العلامات على الحاسوب. كذلك أقدم على إتلاف المسابقات العائدة إلى امتحانات الفصل الثاني من العام الدراسي المذكور».
تبعاً لذلك، أوصى التفتيش وزارة التربية والمديرية العامة للتربية باتخاذ المناسب بحقّه، باعتباره «فاقداً أحد الشروط المحددة بموجب القانون 73/2009 لتولّي إدارة مدرسة رسمية». السؤال الأبرز هنا كيف تُكسر القرارات الرقابية، ولا سيّما قرار التفتيش المركزي، الذي لطالما تغنّى وزير التربية حسن منيمنة بشفافيّته، وأنّه لا يتخذ أيّ قرار مسلكي إلّا بناءً على طلبه؟
ومع أنّ هيئة التفتيش طلبت إعلامها بواسطة المفتش العام التربوي بالإجراءات المتخذة خلال مهلة شهر من تاريخ تبلّغ القرار (تبلّغت وزارة التربية القرار في 11/5/2010)، فإنّ الوزارة لم تتخذ حتى الآن أيّ خطوة، فيما يُنتظر أن يُعفى من أداء مهمّاته لكون القانون 73/2009 المتعلق بتعيين المديرين يشترط في مادته الثالثة ألّا يكون المدير محكوماً بأي عقوبة من عقوبات الدرجة الثانية، المنصوص عليها في نظام الموظفين. هذا النظام ينص في المادة 55 على أنّ عقوبة الدرجة الأولى تقضي بتأخير التدرّج 6 أشهر على الأقل، ما يعني أنّ تأخير التدرّج 12 شهراً يصبح من العقوبة الثانية.
لم تكتفِ الوزارة بعدم تنفيذ القرار ، بل طلبت مديرية التعليم الثانوي إلى المدير المذكور إعداد تقرير بشأن الانتقال من مبنى عبد القادر قباني في منطقة برج أبو حيدر، الذي تشغله الثانوية، والذي تستأجره الدولة من جمعية المقاصد بـ500 مليون ليرة سنوياً، إلى مبنى آخر هو ملك للدولة، أي مدرسة الباشورة في منطقة الخندق الغميق.
المدير أعدّ تقريراً اقترح فيه «التريث في هذا الموضوع، وإبقاءنا في مكاننا، أو في أيّ مكان آخر أفضل من مدرسة الباشورة ترونه مناسباً» (الفقرة 9 من التقرير).
كيف تحوّلت المدرسة من مكان يحتاج إلى تعديلات إلى مدرسة في محيط موبوء
إذا كان المدير لم يراعِ تبعات رفض الانتقال، ولا سيّما هدر الأموال، باعتبار أنّ المبنى المنوي الانتقال إليه لا يرتّب أعباء الإيجارات المرتفعة، فقد بدت الحجج التي قدّمها مستغرَبة، وخصوصاً بالنسبة إلى «مشاكل المحيط الذي تتفشّى فيه ظاهرة غريبة تمسّ بالأخلاق العامة»، كما جاء في الفقرة 5 من التقرير. وتقول مصادر مطلعة على المراسلات إنّ «هذه الفقرة بالذات عُدّلت في الوزارة ويظهر ذلك من خلال المستند، الذي تملك «الأخبار» نسخة منه، حيث يتبين أنّ هناك اختلافاً في الخطّ فوق عبارة ممحوّة». تضيف المصادر إنّ «المفردات التي وردت إلى المديرية كانت أكثر حدّة لجهة اتهام شباب المنطقة بالتحشيش، والقيام بعمليات اغتصاب وما شابه».
أهمية التقرير الثاني أنّه كُتب بعد قرار هيئة التفتيش، أي بتاريخ 27/5/2010، ما يعني أنّ المدير لم يبلغ بالقرار من جانب الوزارة. كما أنه سبق أن رفع تقريراً آخر بتاريخ 9/7/2009، يذكر فيه أنّه تفقّد، بناءً على طلب مديرية التعليم الثانوي، مبنى مدرسة الباشورة برفقة النظّار: غازي بنوت، زهير الحايك وزينب قزاز ومنى جابر. معترفاً بأنّ البناء حديث وجيّد وضخم، ويحتوي على مختبرات لجميع المواد. كما أنّ حصة التلميذ الواحد من المساحة، بحسب الفقرة السابعة، 3 أمتار مربّعة تقريباً، ما يعني 3 أضعاف ما هو موجود في المبنى الذي تشغله الثانوية حالياً. مستدركاً بتسجيل 24 ملاحظة تقنية قبل أن يقترح تحسين المبنى عبر سقف الملعب الأرضي المفتوح، وملعب السطح بعلو 8 أمتار على الأقل، ورفع الحوائط الجانبية للسلامة العامة (..) وتوفير أبواب حديدية في كل طابق، وذلك في حال الإصرار على الانتقال، ولو أنه تمنّى «إبقاء مكاننا الحالي ريثما يتوافر بديل أفضل».
المفارقة أنّ «المحيط» بالوصف الذي ورد في التقرير الثاني لم يرد أيّ شيء منه في التقرير الأول، بل اكتُفي بالإشارة إلى أنّ «المبنى قريب جداً من محالّ كثيرة لإصلاح السيّارات والميكانيك، ما يسبّب ضجيجاً كبيراً لا يساعد على التركيز أثناء عملية التدريس». كيف تحوّلت المدرسة بسحر ساحر من مكان يحتاج إلى تعديلات إلى مدرسة في محيط موبوء؟ لا أحد يعرف.
«الجانب الأخلاقي» لافت في التقرير الثاني، ولا سيّما حين يقول إنّ «الطالبات في المدرسة المتوسطة لا يسلمن من مضايقات شباب الحي، فكيف إذا كان الطلاب شباباً في زهو شبابهم» لكون الثانوية مختلطة.
ويذكر المدير في الفقرة 7 أنّه «لدى سماع الأهالي بهذا الخبر، فإنّ ما يعادل نصفهم أقبلوا مستفسرين طالبين المساعدة على نقل أولادهم إلى مدارس أخرى، لأنّهم لا يأمنون أولادهم من الانحراف والأذى اللذين سيلحقان بهم في تلك المنطقة، كذلك فإنّ عدداً لا يستهان به من الأساتذة سيتقدّمون بطلبات نقل إذا انتقلت ثانويتنا إلى مدرسة الباشورة المحفوفة بالمخاطر»!
تقنياً، أكدت الوحدة الهندسية للتنسيق ومتابعة المشاريع في وزارة التربية في تقرير لها في 7/7/2010 أنّ «كل المشاكل الفنية المذكورة في كتاب مدير الثانوية عولجت قبل تاريخ 14/6/2010»، وعليه «نأمل من مدير ثانوية بيروت الحرج الرسمية تحديد موعد لزيارة المبنى المذكور بحضور المتعهد والاستشاري».
أما في الجانب الأخلاقي، وبعيداً عن هول التصنيف العنصري لمنطقة بكاملها من جانب مربٍّ، وإذا كانت المعلومات صحيحة، أفلم تكن تستوجب استنفار الجهات المعنية، ولا سيّما وزارة التربية للاتصال بوزارة الداخلية لمعاينة الواقع واتخاذ التدابير الضرورية لحماية التلامذة في المبنى ذاته، المسجّلين في المدرستين الابتدائية والمتوسطة؟
وإذا كان المدير يتوقع «حدوث مشاكل شبه يومية بين طلابنا وشباب المنطقة» (الفقرة 9)، فهل معنى ذلك أنّه يصنّف طلابه فريقاً ضد أهالي المنطقة؟ ماذا لو عرفنا أنّ أكثر من نصف الطلاب الذي يأتون إلى المبنى الحالي للثانوية هم من منطقة الخندق الغميق؟ وهل تشاور المدير الأهالي فعلاً ومختار المنطقة مثلاً؟ أين مفهوم «الاندماج الاجتماعي» الذي تؤكد عليه خطة النهوض التربوي، في ما جاء في تقرير مدير بحكم المعفى من أداء مهمّاته، قد يكون ذا مصلحة في إبقاء الثانوية في مكانها الحالي؟ ولمَ لا؟ ألم يغشّ مرّة.. على الأقل؟


صيف وشتاء تحت سقف واحد

في وقت يطرح فيه وزير التربية حسن منيمنة خطته لتحسين نوعيه التعليم ويعزّزها بقرارات بحقّ مديرين يخالفون القوانين، يُنتظر منه أن يطبّق ذلك على الجميع دون تمايز بينهم، وأن لا يكون هناك صيف وشتاء على سقف واحد.
وكما أعفى الوزير مدير ثانوية المربّي حسن الحجة الرسمية في طرابلس (م. ق)، من أداء مهمّاته في قرار حمل الرقم 1109/م/ 2010، تنفيذاً لقرار صادر عن هيئة التفتيش المركزي يقضي بحسم راتبه 15 يوماً تأديبياً، ويوصي وزارة التربية بإعفائه من أداء مهمات إدارة الثانوية، كان يجب أن يتخذ قراراً مماثلاً بحق مدير ثانوية الحرج الرسمية للبنين، وخصوصاً أنّ عقوبة الأول أقل من عقوبة الثاني. فهل تفوح رائحة السياسة من عدم إعفاء الثاني؟ وكان القرار بحق مدير الثانوية في طرابلس قد جاء بعد ورود شكاوى إلى التفتيش المركزي تشير إلى مخالفات منسوبة إلى المدير، مثل إهمال تدوين واردات صندوق الثانوية بتواريخ حصولها، والإقدام على شراء حاجيات وتلزيم أعمال الصيانة فيها لمؤسسات ليس لها سجل تجاري، وتجزئة بعض النفقات وغيرها من المخالفات.