محمد محسنلم يعد المنظر تجميلياً. صار بحاجة إلى إعادة تجميل من جديد. يشبه لوحة طبيعية ممزقّة. لا يظهر العشب الأخضر إلا في نقاط صغيرة متباعدة. الأشجار التي كان مقدّراً لها أن تنمو، تكسّر بعضها وانحنى البعض الآخر. التراب يملأ المساحة، وكأن الأرض قاحلة. لكنه ليس تراباً جاهزاً للزراعة. بل على العكس، مليء بالأوساخ والنفايات، وخصوصاً الصغيرة منها. الماء الذي ترشّه الأنابيب المقطّعة والمهترئة، لا يفعل فعله، يتبخر قبل أن تستفيد منه الأرض. ربما لو مرّ الوفد الإيراني الذي رعى تقديم المنظر التجميلي في منطقة الكوكودي بعد عدوان تموز 2006، من هناك، لظنّ أنه ضل طريقه ووصل إلى منطقة أخرى. سيحتاج إلى دليل موثوق يؤكد أن المكان هو ذاته الذي كان بعد عام 2006 يشبه حديقة جميلة في أعوامها الأولى.
يومياً، ومنذ إنشائه، يتوافد كثيرون من السكان المحيطين بمنطقة الكوكودي إلى المنظر التجميلي. يقضون جزءاً من ليلهم في ربوعه. يجلسون على أرضه، يتنشقون هواءً ملوثاً تغفر له برودته، يقيمون السهرات العامرة بالنراجيل والمكسرات، وحين تحلّ ساعة المغادرة، يترك الكثيرون منهم نفايات نزهتهم، في مكان سيعودون إليه عمّا قريب. وكأنه متنزه بديل، يعطيهم بعضاً من ترفيه يحتاجونه، حتى ولو كان قرب الطربق العام. زوّاره من كل الفئات العمرية، ومن جنسيات متعددة أيضاً. هو حتماً ليس حديقة عامة، وفي ظل غياب الحدائق العامة عن المنطقة، يبدو سؤال «المتنزهين» عن جدوى نزهاتهم في منظر تجميلي، ظالماً بعض الشيء. لكن ما دامت هذه البقعة تمثّل متنفسّاً لهم، لم لا يحافظ المواطنون عليها؟ وماذا تفعل بلدية برج البراجنة التي يتبع لها عقار «المنظر التجميلي»؟ هل من نية لإصلاحه؟ وماذا عن العمل لإيجاد حدائق عامة تبعد الناس عن التنزّه قرب الطرق السريعة؟
الأسئلة كثيرة، والحلول بطيئة. فالواضح من إجابات رئيس بلدية برج البراجنة جمال رحال أنّ أبرز ما تعانيه البلدية في تعاملها مع المنظر التجميلي، هو عدم تعاون زوّاره اليوميين. كيف ذلك؟ يجيب رحال بما يتطابق مع المنظر الذي بات مألوفاً «يضع كثيرون الفحم المحترق على العشب ما يؤدي إلى احتراقه. يرمون جميع الأوساخ وخصوصاً بقايا المأكولات». ويشدّد رحال على أن الوضع لم يعد يحتمل «لسنا ضد الترفيه عن سكان المنطقة، بالعكس، لكن يجب أن يتعاونوا مع البلدية وعمالها».
منذ الصباح الباكر يحضر عمال من شركة «سوكلين» وينظفون المنظر التجميلي قدر المستطاع. لكن مفعول «تنظيفة سوكلين» لا يلبث أن ينتهي مع ساعات المساء الأولى. أثناء التجوال بين المستريحين على العشب الباقي، يندر أن تجد كيساً للنفايات قرب كل مجموعة «هيدي مهمة البلدية مش مهمتنا» يقول أحدهم مقترحاً وضع براميل كبيرة للنفايات، «معلي يتشوه المنظر شوي، بس الناس ساعتها بتلتزم بالنظافة العامة» كما يقول. لكن البلديّة المنهمكة في هذه الأيّام بالتعاون مع «كهرباء لبنان» لإصلاح الأعطال الكثيرة في الشبكة الكهربائيّة، تتجه نحو قرار آخر. يبدو رحال مهتمّاً وواعياً لما تمثله هذه الفسحة للمتنزهين الفقراء. فالقرار المزمع اتخاذه بإعادة تجميل المكان، لكن مع وضع «درابزين» له هذه المرة، يضع البلدية بين مطرقة الحفاظ على جمال المنظر، وسندان منع دخول الناس وحرمانهم من الترفيه.
من هنا، يعود رحال ليناشد زوّار هذه الفسحة الصغيرة: «الأمر بسيط، فلتضع كل مجموعة نفاياتها في كيس وتأخذه مع مغادرتها البقعة. التعاون يريحنا ويريحهم». بمحاذاة طريق المطار القديمة، تقع حديقة عامة كبيرة وجميلة، لكن المجلس البلدي السابق أقفلها بسبب تخريب تعرّضت له، مشابه لما يحصل في الكوكودي. حالياً، يشير رحال إلى مفاوضات مع إحدى الجمعيات القريبة من الحديقة «التي عرضت تأمين فتحها أمام المواطنين، والمحافظة عليها من التعديات» كما يقول رحال. لكن هذا الكلام لا يزال غير مؤكد حتى اليوم، وهو في فلك الاقتراحات فقط.