أمام وزير العدل موضوع حقوقي كلّفه مجلس الوزراء متابعته. فبعض شهادات الزور استخدمت لتبرير احتجاز أشخاص نحو أربع سنوات. نعرض بعض المعلومات التي يمكن أن يستعين بها البروفسور نجّار لصياغة تقريره
عمر نشابة
وصفت المصادر الرسمية الأميركية للزميلة «النهار» (عدد 31 آب 2005) اعتقال الضبّاط الأربعة بـ«المفاجأة السارة»، وربطتها بالجهود المبذولة لتطبيق القرار 1559. إذ إن بعثة تقصي الحقائق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، التي أنشأها مجلس الأمن الدولي في 15 شباط 2005 من دون استشارة السلطات الرسمية اللبنانية، كانت قد أوصت بالتخلّص من «قيادات الأجهزة الأمنية اللبنانية».
فالبعثة برئاسة الإيرلندي بيتر فيتزجيرالد قدّمت تقريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 24 آذار 2005، وخلصت، بعد أقل من شهر من تقصي «الحقائق» (بينما استغرق عمل لجنة مماثلة شارك فيها فيتزجيرالد في قضية اغتيال الرئيسة الباكستانية بينازير بوتو نحو تسعة أشهر)، إلى «أن أجهزة الأمن اللبنانية والاستخبارات العسكرية السورية تتحمل المسؤولية الرئيسية». وأضاف تقريرها: «إن من المشكوك فيه إلى حد بعيد أن تتمكن مثل هذه اللجنة الدولية (لجنة تحقيق دولية في الجريمة أوصت البعثة بإنشائها) من الاضطلاع بمهماتها على نحو مرضٍ، وأن تحظى بالتعاون الفعلي الضروري من السلطات المحلية، ما دامت القيادات الحالية للأجهزة الأمنية اللبنانية باقية في مناصبها». وبالتالي، يبدو أن قرار التخلّص من المدير العام للأمن العام اللواء الركن جميل السيد والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج ومدير الاستخبارات في الجيش العميد ريمون عازار وقائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان اتخذ قبل انطلاق التحقيق الدولي في جريمة 14 شباط 2005. وبالتالي كُلّف ديتليف ميليس، على ما يبدو، بإيجاد صيغة لسجن الضبّاط. تلك الصيغة كانت بمثابة إشارة انطلاق لعملية سطو تدريجي لقوى دولية على الضابطة العدلية اللبنانية. واعتمدت تلك الصيغة ثلاثة محاور أساسية:
أولاً، تبرير توقيف الضباط الأربعة بواسطة شهادات أشخاص ادعوا أمام اللجنة أن بحوزتهم إثباتات تؤكد ضلوعهم في الجريمة.
ثانياً، تحميل المسؤولية القضائية الأساسية في اعتقال الضباط الأربعة (والاستمرار باعتقالهم نحو 4 سنوات) للسلطات اللبنانية متمثلة بالمحقق العدلي القاضي الياس عيد والمدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا، علماً بأن الاختصاص القضائي بيد تلك السلطات بحسب القرار 1595 (2005).
ثالثاً، اعتبار أن المطلوب هو إيجاد تبريرات لاعتقال الضباط الأربعة ولا حاجة لتبرير الاستمرار باعتقالهم، إذ إن الضغط السياسي والشعبي كفيل باستمرار الاعتقال من جهة وأن القضاء اللبناني يمكنه الحسم بأن استمرار التوقيف يتناسب مع النصوص القانونية من جهة ثانية.
المحور الثالث يستدعي مراجعة النصّ الذي اعتمده المحقق العدلي لسجن الضباط الأربعة وأشخاص آخرين (الأسماء في الكادر). جاء في المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية: «ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل».
نصّ المادة 108 استدعى ملاحظة القاضي حاتم ماضي (قانون أصول المحاكمات الجزائية، المنشورات الحقوقية، صادر، الطبعة الثانية 2002): «إن قاضي التحقيق ليس ملزماً بمدة توقيف محددة، إذا كان الفعل الملاحق به المدعى عليه من نوع الجناية المنصوص عنها في هذه الفقرة (الفقرة 2 من المادة 108) على سبيل الحصر، ولكن يبقى من واجب قاضي التحقيق أن يراعي في تحديد هذه المدة ما تستوجبه ضرورات التحقيق لناحية الحرص على سلامته واكتماله وأن يتفادى أن يتحول التوقيف إلى عقوبة».
كيف يكون المحقق العدلي قد «حرص على سلامة التحقيق» من دون أن يُسمح له بالاستماع إلى شهادة محمد زهير الصدّيق الذي رفضت فرنسا تسليمه بعدما ادعى عليه القضاء اللبناني؟ (للقضية متابعة)


تأكيد المفوضية

رأى فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في المفوضية العليا لحقوق الإنسان في جنيف «أن حجز حرية جميل السيد ومصطفى حمدان وريمون عازار وعلي الحاج وأيمن طربيه ومصطفى مستو وأحمد عبد العال ومحمود عبد العال تعسفي لتعارضه مع ما تنص عليه المادتان 9 و14 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يعد لبنان طرفاً فيه (...)». وكان الفريق المذكور قد أنهى إعداد تقرير يوم 30 تشرين الثاني 2007 (يحمل الرقم 37/2007)
ويشير التقرير إلى أن الفريق تلقى معلومات عن توقيف الأشخاص الثمانية المذكورين أعلاه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقد عرض الفريق أسئلة متعلقة بهذه المعلومات على الحكومة اللبنانية. وبعد إجابة الحكومة عن أسئلة الفريق، أعيد عرضها على مرسلي المعلومات، وبعد مقارنة ما جمعه الفريق المعني بالاعتقال التعسفي على القوانين والمعاهدات الدولية التي وقّعها لبنان، خلص التقرير إلى رأيه بأن توقيف الضباط الأربعة والأشخاص الأربعة الآخرين اعتقال تعسفي.