في بلدة كفرمان الجنوبية، عرفت البلدية كيف تستثمر طاقات شبابها من طلاب يقضون إجازتهم الصيفية في ربوع قريتهم. فقد تطوّع خمسون شاباً وشابّة لإجراء مسح سكاني ديموغرافي ضمن مشروع أنجز خلال خمسة أيام لحساب البلدية. خطوة فريدة على صعيد منطقة النبطية
مايا ياغي
تحدٍّ بارز نجح في تخطّيه خمسون جامعياً، طلاباً وطالبات، من بلدة كفرمان، حيث برهنوا عن سرعة متميّزة في إنجاز مشروع قد يحتاج إنجازه في الأحوال العادية لشهور كاملة لو قامت به شركة متخصصة. فقد نجحوا في إنجاز مسح سكاني يدرس واقع السكان في البلدة من كل الجوانب الحياتية، ويهدف إلى تحصيل بطاقة إلكترونية لكل مواطن، تضمّ معلومات وبيانات عنه، ضمن مشروع تقوم به البلدية. الإيمان بقدرات الشباب هو اللافت في الخطوة التي قامت بها بلدية كفرمان، في ظل لجوء غيرها إلى شركات خاصة أو متعهدين للقيام بأي دراسة صغيرة. أما التجاوب السريع من الشباب، فقد أعطى صورة واضحة لجدية هؤلاء والتزامهم في تحمل مسؤولية عامة. تجربة أتاحت للبلدية استثمار طاقاتهم كما أتاحت لهم اكتشاف واقع بلدتهم وأحوالها.
سحبت البلدية خريطة لبلدة كفرمان من موقع «غوغل إرث»، جرى تكبيرها وتقسيمها إلى سبعة عشر قطاعاً، كما قُسّم الشباب إلى فرق تتولى كل منها قطاعات عدة، بعد إعداد استمارات تدرس واقع الأسر في كفرمان، من كل النواحي الحياتية، عدد الأفراد، سنوات الدراسة، العمل، ذوي الاحتياجات الخاصة، الواقع الاقتصادي، ما فتح الباب أمام هؤلاء الشباب للتعرف إلى أهل بلدتهم عن كثب. أحدهم، علي عباس، يعتبر «الإحصاء خطوة على درب التوغل في حياة أهلنا، حيث تعرفنا إلى الفقراء، إلى طريقة عيشهم ويومياتهم، وأحسسنا بواجب ومسؤولية تجاههم حفّزتنا في محاولة مساعدتهم بكل الإمكانات المتاحة». زينب درويش ترى في الإحصاء الممر الذي أتاح لها ولزملائها «الدخول إلى الحياة العمرانية والزراعية والاقتصادية لأهل البلدة، فقد كنا نجهل الواقع التي تعيشيه البلدة، ورغم أن المسح ديموغرافي، إلا أننا تعرفنا عبره إلى الواقع الاقتصادي والصحي لبلدتنا، فسجلنا مثلاً نسبة المعوقين ونسبة الأمراض المزمنة والمتعلمين في البلدة».
إيجابيات كثيرة نتجت مما قام به الشباب، فتحت الباب لإضافة أهداف أخرى إلى النتائج المرجوة من المشروع، حيث صنّفت طاقات البلدة العلمية من أطباء ومهندسين ومحامين وباقي الشهادات الجامعية التي يحملها أهلها، ما سيسهّل على البلدية من الآن فصاعداً عملها في استثمار قدرات شبابها، بدل أن تستورد طاقات من خارج البلدة. إلى ذلك، أُحصيت عائلات كثيرة تحتاج لدعم مادي، ما يستلزم وقوف البلدية إلى جانبهم ودعمهم. ولم يقتصر المشروع على إجراء البحث والدراسة، بل جرت عملية جباية «ضريبة المسقفات» عن سنة 2010 من كل بيوت كفرمان من دون استثناء، حتى أسر العمال السوريين والمستأجرين في بلدة كفرمان، كلهم كانوا قيد الدراسة، تحسباً لأي طارئ يحدث، ما يتيح للبلدية سهولة التواصل والتعامل معهم.
لا يخفي حيدر أبو زيد أهمية الإحصاء لكل بلدة في المنطقة، إذ «لا يعقل أن نكون في عصر المعلوماتية والتكنولوجيا المتطورة، ولا نملك نسبة دقيقة عن السكان، ولا عن الحالات المرضية في كل بلدة، كما نجهل الواقع الاقتصادي لكل منها، وهذا الإحصاء يجب أن يكون الخطوة الأولى في مشروع يجب أن تقوم به كل بلديات المنطقة، لتكون سباقة في تحسين واقع بلدات الجنوب». حتى الآن، لم تحصل عملية فرز نتائج الاستمارات، إلا أنها ستكون الخطوة المقبلة فور انتهاء مرحلة البحث العملية، ليبدأ العمل بعدها بطريقة علمية ممنهجة حسب احتياجات البلدة وأهلها وشبابها.


تجربة مثمرة للطرفين

خرج شباب كفرمان من تجربة التعاون مع البلدية في تنفيذ المسح السكاني لبلدتهم بانطباعات شديدة الإيجابية، فبينما «كنا نجهل واقعنا العلمي في البلدة، أصبحنا نعرفه الآن، ما سيتيح لنا لاحقاً التعاون مع البلدية لتنفيذ مشاريع شبابية تناسبه»، تقول داليدا محيدلي. كذلك، رأى رئيس البلدية كمال غبريس أن «التعاون مع القدرات الشابة هو الأول من نوعه في المنطقة، إضافة إلى تميز المشروع الذي ساعد هؤلاء الشباب الذين نفخر بهم، في إنجازه، فهو يسهل علينا عملنا كبلدية نريدها أن تكون للمواطن ولخدمته»، بينما اعتبره المشرف عليه، المهندس رشدي نجدي بمثابة «الخطوة الأولى في طريق نجاح البلدية»، مثنياً على «أهمية استثمار الطاقات الشابة من خلاله».