عبّر مكتب المدعي العام الدولي دانيال بلمار عن اهتمامه بمضمون المؤتمر الصحافي الذي عقده السيد حسن نصر الله في 9 آب الفائت. هل في ذلك محاولة لاستعادة شيء من صدقية فقدتها المحكمة الدولية لدى بعض اللبنانيين، أم تلميح بعواقب عدم التعاون قد تستدعي العودة الى مجلس الأمن الدولي؟
عمر نشابة
بعث مكتب المدعي العام الدولي، لأول مرّة منذ انطلاق عمل المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رسالتين موجهتين الى السلطات القضائية اللبنانية (في 11و 24 آب 2010) مطالباً إياها بتزويده معلومات ووثائق.
اللافت في طلبات مكتب دانيال بلمار حصرها بما ورد على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في 9 آب 2010.
المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا استجاب لطلب بلمار في 17 آب عبر إرسال المعلومات التي تسلّمها من حزب الله الى لاهاي. لكن بلمار عاد وبعث برسالة ثانية في 24 آب، مطالباً بإرسال المزيد من المعلومات التي يعتقد أنها بحوزة السيد نصر الله. بانتظار الجواب، لا بدّ من التوقف عند بعض ما يثير الاهتمام ببريد لاهاي بيروت:
أولاً: إن الرسالتين اللتين وصلتا الى بيروت من لاهاي تذكران بما يترتّب على السلطات اللبنانية ضمن مقتضيات نصّ القرار 1757 والاتفاقية الدولية بين الأمم المتحدة والجمهورية اللبنانية. ورغم أنه لا تلويح بعواقب عدم تجاوب القضاء اللبناني مع طلبات المدعي العام الدولي بجمع «الملف الكامل» (الذي يدّعي بلمار أنه بحوزة السيد حسن نصر الله) وإحالته إليه، يعتقد بعض المستشارين السياسيين في لاهاي أن موعد التهديد الدولي لم يحن بعد، إذ لا مصلحة في حرق المراحل.
ثانياً: لقد حوّل بلمار رسالتيه الى استعراض إعلامي تباهى من خلاله بـ«مهنيته».
ومن هنا تفهم الإشارة المتكررة لتحقيقات تجرى «وفقاً لأرقى معايير العدالة الدوليّة وبطريقة حيادية وموضوعية». والإشهار بأن مكتب المدّعي العام «يهتدي بالأدلّة دون سواها».
ويأتي ذلك إبان التراجع التدريجي الملحوظ لبريق العدالة في صورة المحكمة الدولية داخلياً وإقليمياً ودولياً. وبالمناسبة، إن هذا الاستعراض الإعلامي لبلمار يشكّل مبادرة التطمين الوحيدة التي أطلقتها المحكمة رداً على عشرات الأسئلة عن صدقية التحقيق، وخصوصاً لجهة اعتماد بلمار ازدواجية المعايير.
يذكر في هذا السياق أن المحكمة لم تتمكن حتى اليوم من تعيين بديل من راضية عاشوري بعد استقالتها من مركز المتحدثة الرسمية باسم مكتب المدعي العام.
ثالثاً: في فريق التحقيق التابع لدانيال بلمار الذي يترأسه مايكل تايلور (منذ آذار 2010) من يدعو الى التنبه مما قد يكون بحوزة السيد نصر الله من قرائن غير التي عرضت خلال المؤتمر الصحافي في 9 آب 2010، ويحذّر من مضمون ردّ حزب الله عشية صدور القرارات الاتهامية. فرئيس ذلك الفريق ضابط تحقيق لا تنقصه الخبرة في لبنان والمنطقة، إذ إنه تولى سابقاً منصب رئيس الاستخبارات برتبة مفوّض لفرقة مكافحة الإرهاب التابعة لشرطة «نيو سكوتلاند يارد».
رابعاً: إن إعلان مكتب المدعي العام الدولي على رسالتين بعث بهما الى السلطات القضائية اللبنانية والإعلان عن دعوته الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله الى «ممارسة سلطته لتسهيل عمليّة التحقيق التي يقوم بها مكتب المدّعي العام» مثير للاهتمام. إن تعميم الخبر عبر وسائل الإعلام سبق وصول الرسالة الرسمية الى قصر العدل في بيروت. أضف الى ذلك أن المدعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا، من جهته، لم يعمّم على وسائل الإعلام نصّ الرسالة الجوابية الى مكتب بلمار.
ولم يبعث مكتب بلمار برسالة الى السلطات القضائية الإسرائيلية مطالباً إياها بإحالة «ملف كامل» عن قرائن اعتمدها عدد من المسؤولين الإسرائيليين لاتهام حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
لكن لا عجب في ذلك من الناحية القانونية، إذ إن لبنان هو البلد الوحيد الملزم قانونياً التعاون مع طلبات مكتب المدعي العام الدولي.


لا شاهد «ملك»

إن «الملفّ الكامل» والأساسي الذي يستعين به مكتب المدعي العام الدولي، على ما يبدو، لصياغة القرارات الاتهامية، لا يتناول النشاط الإسرائيلي في لبنان. بل إن ملفات مفصّلة ودسمة تتضمّن تفاصيل وأسماء وتواريخ ووثائق ومحاضر اجتماعات واتصالات تمكن نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدّام من تأمينها، تكوّن الجزء الأساسي من الأدلة والقرائن التي يعتمدها الادعاء الدولي. الرجل كان يشغل منصباً سياسياً أتاح له أن يكون بمثابة المرجع الأكثر اطلاعاً لا على تفاصيل الحياة السياسية في لبنان فقط، بل على كل الشؤون الميدانية بما فيها عمليات نقل السلاح والعتاد الحربي والمتفجرات وتحرّك مجموعات النفوذ وترتيب السيناريوات السياسية والأمنية وربط بعضها ببعض. وتؤكد أوساط لاهاي أن عبد الحليم خدّام ليس الشاهد «الملك» إذ لا وجود لشاهد كهذا في تحقيقات بلمار. وتؤكد تلك الأوساط أن ما أمّنه خدّام من أدلّة ووثائق وتسجيلات خضع للتدقق من «مصادر أخرى ستعرض أمام المحكمة».