النصوص القانونية قد لا تردع بعض ضعاف النفوس عن العمالة للعدو، ولكن، أن يكون القانون سببًا لإفلات هؤلاء من العقاب، فهنا تكمن المصيبة
رلى عاصي
تناول المشرّع صورًا للخيانة تشمل إيواء ومساعدة جواسيس العدو وجنوده وتسهيل فرار أسرى الحرب أو رعايا العدو المعتقلين (المادة 278 عقوبات).
إنّ قراءة نص المادة 278 تستدعي الملاحظات الآتية:
أولاً، تشمل أحكام هذه المادة اللبناني والأجنبي الذي له محل إقامة أو سكن فعلي في لبنان، عملاً بالمادة 280 عقوبات.
ثانياً، يقوم جرم الخيانة بحق من قام بتقديم مسكن أو طعام أو لباس لجاسوس أو لجندي من جنود الأعداء يعمل للاستكشاف، أو لعميل من عملاء الأعداء، دونما عبرة لدوافع الجاني أو لأهدافه.
ثالثاً يقوم جرم الخيانة بحق من قام بمساعدة الجاسوس أو الجندي من الأعداء أو العميل للأعداء، وإن لم تؤدّ هذه المساعدة إلى النتيجة التي أرادها الجاني.
رابعاً، يقوم جرم الخيانة بحق من قام بالاتصال بالجواسيس أو الجنود أو العملاء الأعداء، بقطع النظر عن الطريقة أو الوسيلة التي جرى بها هذا الاتصال، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
خامساً، يقوم جرم الخيانة بحق من قام بتسهيل فرار أسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين، وإن لم يتحقّق هدف الجاني، أي لم تتمّ عملية الفرار.
سادساً، لا بدّ أن يكون الجاني عالمًا بصفة الجواسيس أو الجنود أو العملاء، فإذا انتفى علمه تخلّف ركن من أركان الجريمة وانتفت مسؤوليته تبعًا لذلك.
لم يذكر القانون حالة تسهيل دخول أحد رعايا إسرائيل أو جواسيسها إلى لبنان
سابعاً، ميّز المشرّع بين نوعين من العقوبة: الأشغال الشاقة المؤقتة والاعتقال المؤقت. والتشابه يكاد يكون تامًا بين هاتين العقوبتين باستثناء بعض الفروق في طرق تنفيذها، بحيث يجبر المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة على القيام بأشغال مجهدة سواء في داخل السجن أو خارجه، ويلتزمون بارتداء الثياب المخصّصة لهم، بينما يكلّف المحكوم عليهم بالاعتقال في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن وفقاً لما اختاروه عند بدء عقوبتهم، ولا يجبرون على العمل خارج السجن، أو على ارتياد ثياب السجناء.
يتّضح من مضمون النص أنّ المادة 278 عدّدت ووسّعت صور جريمة الخيانة. ولا بد من لفت النظر إلى أن نص المادة الأصلي لم يكن يلحظ في الفقرة الأولى عبارة «أو لعميل من عملاء الأعداء» التي أضيفت لاحقًا بموجب القانون رقم 6/75 تاريخ 21/2/1975. بالرغم من أهمية هذا التعديل، فإنه كان من الضروري أن ينسحب أيضًا الى الفقرة الثانية، بحيث يعاقب ليس فقط من قام بتسهيل فرار أسير حرب أو أحد رعايا العدو المعتقلين، بل كذلك من أمّن أو سهّل فرار عميل من عملاء الأعداء المعتقلين. وهذه الملاحظة هي في رأينا على نفس القدر من الأهمية لكون العملاء هم الوسيلة الأساسية التي يعتمدها العدو في الداخل في حربه على لبنان.
كذلك يؤخذ على النص أنه، فيما تطرّق للحالة التي يقوم فيها أحدهم بتوفير أو تسهيل فرار أحد رعايا العدو، فإنه لم يأتِ على ذكر الحالة التي يقوم فيها أحدهم بتأمين أو تسهيل دخول أحد رعايا العدو أو جنوده أو جواسيسه إلى الأراضي اللبنانية، وهو على علم وبيّنة بالأمر. وهي حالة تعد على نفس قدر الخطورة كالحالة الأولى، إن لم تكن بدرجة أعلى منها. وها هي ثغرة أخرى في القانون! وفي هذا الإطار، يفترض بالمشرّع، ليستدرك الأمر، ليس فقط أن يلحظ هذه الحالة، بل أن يشدّد العقوبة أيضًا إذا كان من أمّن دخول أو خروج جواسيس العدو، جنوده أو رعاياه، موظفاً عاماً أو شخصاً ذا صفة نيابية عامة، أو مكلّفاً بخدمة عامة أو مطلق شخص أُنيطت به مهمة حراسة أسير حرب، أو أحد رعايا العدو المعتقلين، أو جواسيسه أو عملائه، أو عُهد إليه باحتجاز أحدهم، فسهّل فراره.